على هامش الذكرى السابعة عشرة لرحيل شاعر المقاومة الفلسطينية محمود درويش….بقلم محمد المحسن

نم-هانئا يا محمود-..فمازلنا..نجتر هزائم..!
“العبرات كبيرة وحارة تنحدر على خدودنا النحاسية..العبرات كبيرة وحارة تنحدر إلى قلوبنا” ( ناظم حكمت )
“أبدا لن يموت شيء مني..وسأبقى ممجدا على الأرض ما ظلّ يتنفّس فيها شاعر واحد”( الكسندر بوشكين)
*تصدير:لأن هناك
ينتظم رثاء محمود درويش في ذكراه السابعة عشرة على هيئة قصيدة،يبقى فيها اسمه حرًا من كل قيد.
تُستعاد عبر مواقع التواصل الاجتماعي كتاباته وشذرات من سيرة حياته،ولا تغيب عن كل تفاصيلها فلسطين “سيدة الأرض وأم البدايات وأم النهايات”،التي كان وما زال شاعرًا لقضيتها.
رحل محمود درويش في 9 أغسطس/ أوت من عام 2008،وقد كتب عن الموت والحياة،وتلوّنت بحور الشعر بغضب درويش الثائر وتعب درويش العاشق وحنين درويش الابن..
9 أوت-كما أشرت-الذكرى السابعة عشرة لرحيل شاعر المقاومة والقضية الفلسطينية الأممية.
بين الذكريات المشبعة بنار الوجع و تخوم الآهات يشدو صوت الحقيقة ليقاوم العهر و يهدم أوكار الدعارة…ثار على الكلمة و كتب لحبّه الخالد تعاويذ النصر و شقّ بسهام القلم صدر الغاصب..عن الحبّ قال رتّا.للأرض صدح لا أعرف
الصحراء.للإتسان غنّى فكّر بغيرك للقضيّة قال أنا عربيّ و لرحيله صرخ أنا من هنا..
“هل كان علينا أن نسقط من عُلُوّ شاهق..ونرى دمنا على أيدينا..لنُدْرك أننا لسنا ملائكة..كما كنا نظن؟
وهل كان علينا أيضاً أن نكشف عن عوراتنا أمام الملأ..كي لا تبقى حقيقتنا عذراء؟
كم كَذَبنا حين قلنا: نحن استثناء!”
برحيل محمود درويش تكون الإنسانية جمعاء قد فقدت الناطق الرسمي باسم الألم: راجعوا أعماله الكاملة،فثمة متحف للأنين.!
قلت،برحيل محمود درويش تكون أجنحة الشعر قد فقدت بعضاً من ريشها الذهبي: الريش الذي لم يرض قط بغير الأرض سماءً.
وبرحيل-هذا الكبير-محمود درويش-تكون أشجار الزيتون قد فقدت شقيقها المبارك: الشقيق الذي نذر زيته لفتيل الوطن..
وبرحيلك-يا محمود-تكون فلسطين قد فقدت محاميها الأكبر: المحامي الذي ترافع عنها خمسين عاماً أمام مئات الملايين من شهود الزور..
ولكي أكتب عنك قصيدة-يا محمود-وقد راودتني سكرات الحياة،يجب أن أهتدي،بضوء في الذاكرة..وبنبراس أشعارك،في مثل ليل عربي كهذا موغل في الدياجير..كما يجب أن أتساءل :
لماذا يموت الشعراء العظام..ولماذا يولدون مصادفة في الزّمن الخطأ،ويرحلون كومضة في الفجر،كنقطة دم،ثم يومضون في الليل كشهاب على عتبات البحر.. ؟!
أما أنتم-يا أيها الشعراء والمبدعون-:إذا رأيتم في المنام-الشاعر الفذ-مسجى فوق سرير الغمام فلا توقظوه،إسألوا الصاعقة التي شقّت الصخرة إلى نصفين لا يلتحمان.
إذا رأيتم-نجما-ساطعا في الصمت الأبدي فلا تعكرّوا لمعانه بالكلمات.
اسكبوا دمعة سخيّة على جبينه الوضّاء،دمعة في لون اللؤلؤ،واكتموا الصرخة المدوية كالرعد في كهوف الرّوح..
وأخيرا إذا رأيتم المغنّي الجوّال حاملا قيثارته،افسحوا له مجالا في الدروب لينشد أغنية الوداع للنجم الآفل..
تقول الأغنية:
هناك كثيرون أمثالك..أعلّوا وشادوا..
وفي كل حال أجادوا..
وأنت أنجزت كل الذي في يديك..
وما عرف المستحيل الطريق إليك..
لأنّك تؤمن أنّ الخطى إن تلاقت قليلا..
ستصبح جيشا وصبحا نبيلا..
وأنت ككل الذين أرادوا لوجه الحياة رداء جميلا..
تمنيت أن ينبلجَ الصبح من مقلتيك..
فعلت الذي كان حتما عليك..
ومن كان حتما على الشعراء..جيلا فجيلا..
وأنا أقول :
إلى محمود درويش في رحيله القَدَري
“الشعراء كالأوطان.. لا يموتون..”
..من يدقّ باب الرّوح
في خفوت الشمس والضّــــــــــوء
من يطهّر الجسد من دنس الركض
خلف صهيل الـرّوح
من يمنح حبّة قمح تعبق بعطر الأرض
ليمامة تاهت
في رعب السكون الهائم
من يجفّف الدّمع..
والمحزونون في سبات ملء الجفون
أوغلوا في الدّمع في لحظات الوَجْد
فأنطفأ الوجع..
إلى أين تمضي في مثل ليل كهــذا !؟
والكلمات التي تركتها خلف الشغاف
تشعل شرفاتها
منارة
منارة
ولا يكتمل المكان..
تمنيتَ لو كنتَ نورسا على شاطئ غزّة
كي تعيد ارتحالك..كلّ يوم في المياه
تمنيتَ لو تجعل من دموع الثكــــالى
قاربا يجتاز العتمة..
كي يرسي على ضفّة مرهقة
تحتاج يد النهر كي تعبـــــــره
تمنيتَ لو يتوقّف..الزّمان
لحظة أو أقل
كي تعيدَ ترميم الحروف
كي تسير بكل،فجاج الكون
بغير جواز سفر
كي تروح بنوم مفتوح الرّوح..
يفيق على جمرة سقطـت
فوق شغاف القلب..
تمنيتَ لو تبرق للبعداء جميعـــا أن:
عودوا..أعطوا-لمحمود*-بعض وطن !!
ها أنتَ تئنّ
وتئنّ
إذا استرجعت غربتك من تيه الضجّة
وعدت بلا وطن
إلى أين تمضي في مثل ليل-عربيّ-كهذا ؟
إلى أين تمضي..بعربات الصّبح المبكــــرة..؟
ها أنّي أراك تلوّح للأمكنة الأمامية
وهي تغيب..
ثمة نورس يتلاشى في الأفق البعيد
ثمة وجع بحجم الغيم ..يتمطى في اتجاهنا
عبر الضفاف
ثمة شيء ما ينكسر
يتهاوى
ولا يصل المكان
ها أنّي أراك في هدأة الصّمـــت
تنبجس من اختلاجات العزلـــــة
تنبثق بياضا ناصع العتمة..من عتبة القلب
نهرا
تجلّله رغوة الإنتظار
أراك..نهرا
تعتعه الرّحيل..فتهاوى
في أفلاج جفّ ماؤهــا
ها أنّي أراك،تعبر ممرّات الذاكرة
تترك حنجرتك زهرةَ بنفســــــج
تلج حجرات الرّوح
تاركا خلفك..صهيل الرّيح
كي لا ينهمر..الوجــــــع
ويسطو على ما تبقّى..من مضغة القلب
سخط الزّمان..