رؤي ومقالات

مريم محمّد نعمي تكتب :كيف يفقد سلاح المقاومة شرعيته بعد أكثر من 33 عامًا من الشرعية؟

منذ تشرين الأوّل، يخرج لبنان من دوّامة ليدخل في دوّامة أكبر. لم يمرّ يوم على اللبنانيّين بسلام. نحن لا نتحدّث عن مجرّد مرحلة جديدة دخل فيها لبنان، بل عن أفخاخ ومخطّطات أُعِدّت له مسبقًا وأُسقِط فيها.
نحن أمام مراحل مترابطة، متداخلة، ومعقّدة، بحيث تمهّد كلّ مرحلة للتي تليها. الأيادي الخارجيّة، والخليجيّة تحديدًا، وعلى رأسها السعوديّة، كانت منذ سنوات تترقّب اللحظة المناسبة للعبث بالداخل اللبنانيّ، ونقل الصراع من مواجهة بين لبنان وإسرائيل، إلى اقتتال داخلي بين مكوّنات البلد الواحد، كما حدث في سوريا، حين ساعدت بعض دول الخليج في تسليح المرتزقة الذين دخلوا أراضيها وعبثوا بأمنها، يبرز السؤال: هل لبنان اليوم أمام مصير مشابه، يدخل فيه في دوّامة من الدم والاقتتال الداخلي؟

لطالما تجنّب حزب الله الدخول في مواجهة عسكريّة مباشرة مع خصومه في الداخل اللبنانيّ، وصبر على حملات التخوين التي وصفته بأنّه “حزب إيراني”، وتحمّل المؤامرات التي حيكَت ضدّه بالتعاون مع الأمريكيّين والإسرائيليّين، حرصًا منه على السّلم الأهليّ والاستقرار الداخليّ. وكان شرطه الأساسيّ في انتخاب رئيس الجمهوريّة أن يحفظ المقاومة وألّا يطعن ظهرها.

لكن، هل حفظ الرئيس الحالي جوزيف عون ظهر المقاومة؟
خلال دورة انتخابه الأولى، لم ينجح جوزيف عون، لكنّه قدّم ضمانات شفهيّة للثنائي الشيعيّ، فحصل على دعم أصوات نوّابهم، ونجح في الوصول إلى كرسيّ الرئاسة. فهل يندم حزب الله اليوم على انتخابه؟

كان من المفترض أن يتولّى رئاسة الحكومة نجيب ميقاتي، لكن اختير نوّاف سلام، السياسيّ المعروف بعقليّته الأقرب إلى التوجّهات الأمريكيّة. فهل تعرّض حزب الله في تلك المرحلة لخديعة جديدة؟

يُنظر إلى الرئيس جوزيف عون على أنّه ضعيف أمام الإملاءات الخارجيّة، ويتعرّض لضغوط سعوديّة وأمريكيّة تهدف إلى نزع سلاح المقاومة، وإفقادها شرعيّتها التي حصلت عليها لأكثر من 33 عامًا، مثلما صرّح نائب حزب الله محمّد رعد. هل كان لصالح الرئيس عون أن يكون ميقاتي هو رئيس الحكومة في عهده وليس نواف سلام؟ تشبه حكومة نواف سلام حكومة السنيورة سابقًا، حيث إنّها اعتُبرت الأسوأ على لبنان. لم يصدّق يومًا اللبنانيّون خطابات القسم، لأنّها خطابات متشابهة وحبر على ورق. فقد أثبتت الدولة اللبنانيّة، وعلى رأسها رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة، أنّها دولة لا تفي بوعودها، دولة ضعيفة غير قادرة على حماية أمنها وبسط سلطتها وسيادتها على الأراضي اللبنانيّة. أكثر من 8 أشهر والحكومة اللبنانيّة المسؤولة عن الملفات المتعلّقة بإعادة الإعمار، والأسَرى، وتحرير المواقع الخمسة، ومنع الاعتداءات الإسرائيليّة، وإيقاف الانتهاكات الجويّة والبريّة، لكنّها فشلت دبلوماسيًّا حتى.

لقد امتثلت الدولة اللبنانيّة لورقة المبعوث الأمريكيّ توماس باراك، الذي لم يتوقّف عن زيارة لبنان منذ أشهر، ولم يتوقّف عن تصريحاته المهينة بحقّ لبنان، ولم يتوقّف عن تحريض اللبنانيّين على نزع سلاح حزب الله بالقوّة، بل تجاوز به الأمر إلى أن يهدّد بضمّ لبنان إلى سوريا. تمّت مناقشة ورقة باراك أثناء انعقاد جلسة الوزراء وإقرارها، ضاربين عرض الحائط كلامهم وعهدهم إلى جميع اللبنانيّين، بل ناقشوا البند المتعلّق بحصريّة السلاح بغياب الوزراء الشيعة. لا يكفي أنّهم متآمرون على المقاومة والبلد، بل لا شرعيّة لهم. أعطى حزب الله فرصة لهم للتراجع عن قرارهم، لكنّهم مصرّون على أخذ البلد إلى المجهول، ومعوّلون على الوعود الكاذبة للأمريكيّ بإدانة إسرائيل في مجلس الأمن إذا انتهك الاتفاق، وأمريكا لم تستطع إلزام إسرائيل بالاتفاق الأوّل.

ألم يكن أجدى من الدولة اللبنانيّة مناقشة الانسحاب الإسرائيليّ قبل حصريّة السلاح الذي يحمي لبنان ويُعتبر مصدر قوّته الحقيقيّة؟ كيف يثق اللبنانيّون بالدولة التي تتآمر على دمائهم، دون تسليح الجيش اللبنانيّ، ودون ضمانات حقيقيّة لوجود انسحاب ووقف الأعمال العدائيّة على لبنان؟ من يضمن، عند تسليم السلاح، ألّا تجتاح إسرائيل بيروت مجدّدًا كما حدث في السابق؟ ألم يتعلّم اللبنانيّون من التجارب السابقة، والنموذج الحيّ الحالي سوريا التي لم تواجه إسرائيل لكنّها قضمت ربع بلادها؟

الرئيس جوزيف عون يقود اللبنانيّين على سفينة مثقوبة يتسرّب إلى داخلها الماء، ويضعها لمواجهة مصيرها، الأمر الذي يفتح على احتمالات عديدة، خاصّة مع رفض حزب الله تسليم السلاح، وعن ثورة البيئة الحاضنة للمقاومة، حيث شهدت بيروت وضواحيها وأغلب المناطق اللبنانيّة مظاهرات حاشدة سلميّة تنديدًا بقرار الحكومة ورفضًا له، مع العلم أنّ حزب الله اللبنانيّ لم يدعُ إلى الآن مناصريه إلى النزول إلى الشارع. فهل يدخل لبنان في فوضى يستفيد منها بعض الداخل اللبنانيّ من أجل جرّ الطرف الآخر إلى الاقتتال الداخليّ؟ هل ينقسم الجيش اللبنانيّ في المراحل المتقدّمة؟ هل ينسحب وزراء حزب الله من الحكومة؟

هل تنفّذ أمريكا تهديداتها وتحرك الجماعات المسلّحة في سوريا؟ نحن أمام الأطماع الأمريكيّة، والسوريّة، والإسرائيليّة، والسعوديّة. من يفوز: الأطماع أم إرادة المقاومة؟ بلد على حدوده الجغرافيّة يوجد تهديدان حقيقيّان: تهديد إسرائيليّ توسّعيّ، وتهديد تطرفيّ عنيف متمثّل عبر الجماعات الداعشيّة. بدل أن يحمي لبنان نفسه من الأخطار المحدقة به، اختار أن يكون بلدًا منزوع السلاح، والكرامة، والسيادة، وهو أمر لن يقبل به الطرف الآخر.

كيف تنسى الحكومة اللبنانيّة الحاليّة التضحيات الجسيمة التي قدّمها حزب الله اللبنانيّ على مدى 33 عامًا؟ كيف ينسون دماء الشهداء التي أُريقت دفاعًا عن هذه الأرض؟ المطلوب في هذه المرحلة رفع الوعي إلى أقصى درجاته، وعدم الامتثال أمام الخارج، وعدم الاشتراك في الفتنة الداخليّة، وضبط الشارع اللبنانيّ، وتراجع الدولة اللبنانيّة عن هذا القرار الذي من شأنه أن يشكّل خطرًا حقيقيًّا على استقرار لبنان.

هل هي حقًّا غيمة صيف تمرّ على لبنان، أم أنّ الصيف سوف يتعقبه فصول أربعة جديدة من النزاعات، والحروب، والدماء…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى