حمزه الحسن يكتب : الأمريكي المنقذ

لكي لا يخطيء هؤلاء الحساب ثانيةً في الرهان على الحل الأمريكي، لا شيء تغير في الشرق الأوسط القديم لا بالقوة ولا بالكلمات وحتى نزع سلاح المقاومة لن يجدي نفعاً في صراع تاريخي جبار بين الظلم وبين العدالة وبين الحرية والعبودية وهو صراع ليس من هذا الزمان فحسب.
لسنا وحدنا من يقول ذلك، قال الباحث في العلاقات الدولية بجامعة هارفارد، ستيفن وولت، إن الشرق الأوسط الجديد هو نفسه القديم، مضيفًا أن كل شيء تغيّر بالمنطقة، ولكن لا شيء اختلف في مقال في مجلة “فورين بوليسي”. وأضاف ستيفين” وللتأكيد: لم تختفِ حماس، ولا حزب الله، ولا الحوثيون، ولا إيران، وكلها لا تزال صامدة”.
كان من الممكن لمن دافعوا وقاتلوا لاجل الاحتلال الامريكي للعراق في الخارج ــــــــــــــــ حوالي 350 كاتبا وشاعرا وناقدا وحزبيا وقعوا على رسالة تطالب الرئيس الامريكي باحتلال العراق وفي رسالة ثانية شكروه على الاحتلال مع رئيس وزراء بريطانيا توني بلير ــــــــــــــــ ثم في الداخل تعلم الدرس بعد أكثر من عشرين سنة خراب ودم ونهب، والأغلبية من النخبة الأدبية والثقافية مع حزبيين صغار ملقنين وببغاوات في سابقة لم تحدث في التاريخ ولن تحدث، ــــــــــــــ نحن نعرف أن هذا التذكير المستمر بموقفهم مزعج وقد حذفوا المقالات والادلة بعد الاحتلال لذلك يكرهوننا دون التصريح بالسبب الحقيقي لكن لا يمكن تجاوزه أبدا ومن يكره وطنا لا يحب أحداً حتى نفسه ـــــــــــــ لأن دور المثقف ليس في دعم احتلال أو الوقوف مع دكتاتورية بل موقفه الوحيد التحذير من مشروع نهب وسيطرة بعناوين مزيفة لكي لا يُكبس الناس نياماً كما حدث.
لكن يبدو ان كل تلك السنوات مرت كغيوم تنزلق فوق مقبرة.
بعد هزيمة النازية قامت دول كثيرة بحلق رؤوس العملاء من الرجال والنساء
ممن تعاونوا مع النازية،
هنا في النرويج جرت اعدامات شملت رئيس الوزراء Quisling كويسلينغ الذي عينه الاحتلال وتحول اسمه الى لفظ تحقير ولو قلت لنرويجي” أنت كويسلي” فتلك تهمة خيانة.
وتم اعدام المتعاونين من قبل المقاومة النرويجية وحتى الروائي النرويجي حامل نوبل كنوت همسون تعرض لمحاكمة طويلة بسبب” تأييده” الاحتلال النازي وأوشكت المحكمة اصدار حكم الاعدام لكن حملة عالمية من كبار أدباء العالم طالبوا بإطلاق سراحه لأنه وقع ضحية الدعاية النازية ولم تكن يومها وسائل اعلام متوفرة عدا الصحف والراديو وخرج بغرامة محقرة ومهينة.
حدث هذا في فرنسا وبولندا وفي النرويج وغيرها وتم استعراض هؤلاء في الشوارع للفرجة وتم حلق رؤوس المتعاونات في الشوارع قبل الاعدام. لكن في العراق فقط بلد المعايير المقلوبة في كل شيء، يصبح الخائن بطلاً وصاحب وجهة نظر،
ويتحول الشريف والوطني الى مريض نفسياً، ومتخلف وخارج العصر.
من المنطقي أن تختلف مع نظام، لكن لا خلاف على الأرض،
النظم تزول والأرض خالدة،” حتى النملة تعتز بثقب الأرض”. كل عملاء العالم بعد هزيمة المحتل يتوارون خجلاً أو خوفاً، إلا في العراق أكثر عملاء العالم صفاقةً وكما يحدث في مجتمع مقلوب المعايير، يتوارى الوطني والمأجور والخائن يتصدر الواجهة.
الذين يطالبون بــــــــــــ” الانقاذ الأمريكي” يريدون دورة انتقام وليس مشروع دولة وطنية وديمقراطية لأن هذه ذريعة كما كانت ذريعة الاحتلال لأجل دكتاتور أهوج مع توفر بدائل عدة غير الغزو كانت ستحافظ على مؤسسات الدولة وعلى المجتمع، لكن المشروع كان تدمير السلطة والدولة والمجتع عبر مراحل حتى اليوم.
خلقت النظم الدكتاتورية مجتمعات العبيد التي لا تعرف كيف تدير شؤونها وصحرت العقول والنفوس إلا من خلال ” تابع وسيّد” لذلك استدعاء برابرة الولايات المتحدة هو نوع من الحل.
ــــــــــــ الصورة في السجن: يعتبر الشاعر الامريكي عزرا باوند 1885 ـــ 1972،
من كبار الشعراء في القرن العشرين ومن رواد الحداثة الشعرية في العالم،
لكن كل هذا لم يشفع له وقوفه الى جانب الفاشية الايطالية بزعامة موسوليني،وبعد احتلال الحلفاء إيطاليا عام 1945، ألقت قوات ايطالية حليفة للحلفاء القبض عليه،وتم تسليمه للقوات الامريكية،
وسجن في سجن بيزا، وتعرض لانهيار عصبي وحكم عليه بإثنتي عشرة سنة،
قضاها في مستشفى سان اليزابيث للامراض العقلية.
في حين يصبح عندنا أمثال باوند من رموز الحداثة الشعرية في عالم مقلوب المعايير.