د.فيروزالولي تكتب:موت بالجملة.. وقيادات بالعملة الصعبة

في بلاد اسمها اليمن، حيث المواطن مشروع شهيد، و”الزعيم” مشروع فيلا جديدة، بات الانتماء لأي طرف سياسي أشبه بشراء تذكرة يانصيب… الفارق الوحيد أنك إذا “ربحت” فالجائزة قبر جماعي، وإذا “خسرت” فبطنك هو الكفيل الرسمي.
في اليمن الجديدة، التي لا تختلف كثيرًا عن اليمن القديمة إلا في عدد الجماجم، هناك ثلاثة أنواع من البشر:
النوع الأول: القيادي… وهو مخلوق أسطوري، يعيش في الخارج، لا يعرف طعم انقطاع الكهرباء، يعتقد أن الغاز المنزلي ينبع من صنابير المطبخ، وأن الطوابير اختراع سويسري لمعارض الفنون.
النوع الثاني: المواطن… كائن حي (حتى إشعار آخر)، يعيش بين قذيفتين، وينام تحت سقف من الأمل المثقوب. يتقن فن النجاة، ومهارات التطبيل، وشعائر الموت المجاني.
النوع الثالث: المواطن المؤيد… وهو مواطن عادي، لكن مع خاصية عقلية مميزة: يُحب جلاده، ويدافع عنه حتى وهو يسلخه حيًّا.
المثير للضحك (أو للبكاء، اختر ما يناسب نفسيتك) أن بعض الشباب ما زالوا يقاتلون لأجل زعيم لم يلتقوا به إلا على شاشة مشوشة، أو في قصيدة قديمة كتبها شاعر استشهد بعد أن عرف الحقيقة متأخرًا.
ما المشكلة؟
المشكلة بسيطة جدًا:
في الوقت الذي يتقاضى فيه “القائد الوطني الثوري المؤمن الديمقراطي” معاشًا شهريًا يفوق دخل ثلاث محافظات مجتمعة، تجد الشاب في الجبهة يتناول علبة فول منتهية الصلاحية، ويختمها بصرخة “لبيك زعيمنا!” قبل أن تتلقفه قذيفة مجهولة.
ثم يقول لك أحدهم: “بس هو من نسل فلان!”
وكأننا نشتري وطنًا بالأنساب، لا بالأفكار والكفاءة.
الزعيم الفلاني يعيش في عاصمة أوروبية، ابن الزعيم الآخر يدرس في مدرسة أمريكية، حفيده يتعلم ركوب الخيل في إسبانيا، وأنت؟ تتعلم الحفر بيدك لأنك لا تجد قبرًا يضمك.
أما العقول التي تقول لك: “نحن مع الحق”، فاسألهم:
أي حق؟
حق مَن؟
الذي يعيش براتب 20 ألف دولار أم من لا يملك 200 ريال يشتري بها ماءً معكرًا؟
نحن بحاجة إلى جمهورية فيها الأحياء محترمين كما نُحترم الموتى في خطاباتهم.
بحاجة إلى زعيم يأكل فولًا باردًا، لا فواكه استوائية مستوردة.
بحاجة إلى وعي… وعي يقول: لا!
لا للذبح تحت راية لا نعرف من يرفعها.
لا للموت من أجل رفاهية أبناء الزعيم.
لا للخنوع تحت وصاية أشباح التاريخ.
وفي النهاية، إن لم تكن جزءًا من حلٍّ حقيقي، فابتعد عن طريق من يحاول أن يخلق وطنًا جديدًا… وطنًا لا تكون فيه “الكلمة” مشروع خيانة، ولا “السكوت” عبادة سياسية.
المجد للشعوب الواعية… والبقاء للأنفع.
أما القيادات، فبعضها يحتاج إلى كرسي طبي، لا كرسي حكم.