رؤي ومقالات

حمزه الحسن يكتب : المستقبل في تفاصيل الحاضر

لم نتخلص بعد من طفل التاريخ المشوه والمشرد ــــــــــــ الدكتاتور ـــــــ الذي خرب حياتنا لسنوات قادمة وصبغ دولة ومجتمعاً على شكله وانتقم من ماضيه وطفولته،
حتى ينتظرنا ملايين الأطفال المشوهين المشردين الذين سيحرقون الباقي بسبب عقد الحرمان والتشفي والانتقام والعنف الممارس عليهم. سيبحثون عن نظرية سياسية تبرر الجرائم كما حدث في الماضي وعن عنوان حزب كما حدث في الماضي القريب ونحن شعوب مغرمة بالعناوين.
ما هو المستقبل؟ المستقبل ليس غيباً بل صناعة وكيف نفكر، الآن.
هل تريد أن تعرف المستقبل بلا خطابات الوهم والدجل والغوغأة؟
لا يحتاج الأمر الى مشقة، عليك فقط أن تقرأ الأرقام عن منظمات دولية عن ولادة جيل أمي في بلد يفتقر لعلم دراسات المستقبل وتتبع ولادة الظواهر وهي جنين وعلاجها قبل ان تستفحل.
جيل من الأميين يعني جيلاً من القتلة واللصوص والجرائم في دولة الفوضى والتبعية والارتهان، وفي البطالة والاحقاد وتوفر السلاح والضغائن والرؤوس الحارة وتلقين العقائد الصلبة، مع الحصار الاقتصادي المنظم ـــــــــــ الكهرباء كمثال ـــــــــ وكل المساوئ الأخرى، سيتجه سبعة ملايين طفل ومراهق بلا تعليم لعالم الجريمة أو زبائن عصابات او مخدرات.
محو التعليم جريمة منظمة بإتقان، ضرب للمستقبل، كما أن أزمة الكهرباء منذ عام 2003 قرار سياسي أمريكي،
والكهرباء اليوم ليست مصابيح إنارة أو تدفئة فحسب بل المستقبل،
هي التعليم ومراكز الابحاث والجامعات والمؤسسات والطب والعلوم الأخرى والماء والدواء والمستشفى والمزاج والصحة والمرض واوقات الفراغ والحالة النفسية والتأمل ،
وكهرباء اليوم مع الشرور الأخرى هي : القتل الأبيض، بلا سلاح مادي ولا دم وضرب المستقبل .
اذا كان التعنيف والعنف النفسي والجسدي حوالي 81 بالمئة للاطفال والحقيقة اكبر من هذا الرقم،ــــــــــ الكبار ليسوا استثناءً من العنف بأنواعه السياسي والاقتصادي والاجتماعي ــــــــــ فصورة جيل المستقبل واضحة من عنف مركب من السلطة ومن الاسرة ولا تحدثنا عن الشقق والمولات والاسواق التجارية وزيادة الراتب والسيارات الفارهة لان هذا ليس الواقع الحقيقي بل الواقع الظاهري وخلفه في الظلام الواقع المحجوب والمخفي: واقع الارامل واليتامى واطفال الشوارع والعشوائيات وجيش من العاطلين عن العمل والفساد والقتل وسرقة المال العام وغيرها. الواقع ليس ما نراه بل ما لا نراه المغطى بالخطابات والحفلات والمهرجانات والاعلانات عن مستقبل وهم.
إذا كان جورج أورويل قال: “إذا كنت تريد أن تستشرف صورة المستقبل،
تخيل حذاء يدوس ويدمغ وجه إنسان إلى أبد الآبدين.”
لكن إذا كنت تريد أن تستشرف المستقبل حاول أن تتخيل أي رجل أمن يستطيع أن يقيم حفلة تعذيب لمواطن في الهواء الطلق، وأي مسن متقاعد يذبل تحت الشمس للحصول على راتب، وأي طفل نائم على رصيف، وأي شارع ملئ بالنفايات، وأي مدرسة للأطفال بلا مقاعد ولا زجاج نوافذ في بلد من أغنى بلدان العالم.
ثم بعد ذلك إبحث عن حل أو كف عن التغريد في ان القادم أفضل من الحاضر: القادم في تفاصيل الحاضر. المستقبل مجموعة تفاصيل اليوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى