د. فيروز الولي تكتب :”وطن للبيع: جمهورية الورثة ومواطني الحظ الرديء”

“في بلدان العالم تُقسم الثروات حسب الشعب… في اليمن تُقسم حسب عدد أبناء الرئيس وخيال أولاد عمّه.”
– من كتاب “العبث المقدس في الجمهوريات الوراثية”
ثلاثة عقود ونحن نعيش في فيلم طويل بلا حبكة، حيث تُنهب الدولة في النهار، وتُبث خطابات الوطنية في الليل، بينما الشعب يُصفق على أمل أن يصل آخر الفيلم إلى شيء يشبه النهاية… أو رغيف خبز.
نحن لا نعيش في دولة، بل في ورشة صيانة لعائلة كبيرة تعاني من إدمان المناصب والمال والسفر على حساب خزينة الجمهورية. هل سمعتم من قبل عن دولة رئيسها يتقاضى 3,000 دولار شهريًا، لكنه يملك ثروة تُقدّر بـ60 مليار دولار؟
إنه ليس فيلم خيال علمي، بل تقرير أممي موثق.
الجمهورية الكوميدية: مسرحية من ثلاث فصول
الفصل الأول: من القصر إلى المخبز
نحن لا نحكم… نحن ننهب بلباقة.
هذا هو شعار نظام “فخامة الناهب” علي عبدالله صالح، الذي اختصر الدولة في كيس دعم نفطي، والمواطن في طابور ديزل، والبرلمان في حفلة عيد ميلاد لأحد أبناء العائلة.
بينما كان الشعب يلهث خلف كيس دقيق، كان أولاد الزعيم يتقاسمون خطوط الطيران والأراضي والبنوك كأنها تركة عائلية.
المشهد بسيط:
أنت مواطن؟ إذًا أنت متهم بالخيانة ما لم تصفّق.
لست ابن شيخ أو ضابط؟ انتظر في الطابور حتى يتوفاك الله أو تأتي واسطة.
الفصل الثاني: الراتب 1 مليون… والثروة 60 مليار!
لنكن منطقيين، أو على الأقل نحاول:
علي عبدالله صالح حكم اليمن 33 سنة، براتب رسمي لا يتجاوز 3,000 دولار شهريًا (نفس راتب مدير شركة في صنعاء اليوم).
احسبها معي:
> 3,000 × 12 × 33 = 1,188,000 دولار فقط خلال 33 عامًا.
لكن حسب تقرير خبراء الأمم المتحدة (2015)، ثروته قُدّرت بين 32 و60 مليار دولار!
يعني ببساطة:
> الفرق بين الراتب والثروة = حوالي 59 مليار دولار!
أو كما قال أحدهم: “الرجل كان يتقاضى راتب موظف… ويعيش بثروة دولة نفطية.”
لم تكن ثروة شخصية فقط، بل مؤسسة عائلية كاملة:
شركات طيران، أراضٍ منهوبة، دعم نفطي يُباع في السوق السوداء، وأرصدة موزعة بين جنيف ودبي.
الفصل الثالث: الدولة كدكان… والجيش ككذبة
تخيل أن تدفع ضرائبك ليُصرف راتب لجندي لا وجود له.
تخيل أن يُنقل السلاح من المعسكر إلى السوق… لا إلى الجبهة.
تخيل أن “يقاتل المواطن بالجوع” بينما “يتقاضى الضابط بالدولار”.
هكذا تُدار الجمهورية: جيش وهمي، اقتصاد ظل، وسلاح بترخيص قبلي.
> بحسب تقارير “Sana’a Center”، ملايين الدولارات تُصرف لجنود أشباح، بينما الجندي الحقيقي يبحث عن زجاجة ماء في الصحراء، لأن “المؤسسة العسكرية” أصبحت شركة مرتزقة بإدارة العائلة.
الفصل الرابع: المعارضة في فندق خمس نجوم
سقط الزعيم… لكن بقيت الشبكة.
توزع الورثة في الفنادق من عمّان إلى إسطنبول، بعضهم يدّعي المعارضة، والبعض الآخر يغازل الوطنية.
لكن الحقيقة؟
لا أحد يعارض الماضي، بل فقط يختلفون على تقسيم الكعكة.
طارق يصرخ بالوطن… لكن بصوت مسموع في بورصة الاستثمارات.
أحمد يتغزل بالوحدة… من جناح فاخر في القاهرة.
أبناء العمومة يشتمون بعضهم في الإعلام… ويضحكون في حسابات جنيف.
> ما الفرق؟ سابقًا كانوا ينهبون باسم الثورة… والآن باسم استعادة الدولة.
التحليل النفسي: مواطن يعاني من “متلازمة الاستقرار الوهمي”
نعم، هناك اسم طبي للحالة النفسية التي نعانيها كشعب:
“متلازمة التأقلم مع القهر السياسي”
وهي ظاهرة تصيب المواطنين في الدول المنهوبة، حيث يتكيف الإنسان مع انعدام الكهرباء، ويبرر غلاء الرغيف، وينتظر المنحة من الأمم المتحدة، ثم يشكر الحكومة لأنها لم تقصفه هذا الأسبوع.
نفس المواطن قد يبكي حين يرى صورة الوطن، لكنه لا يجرؤ على سؤال: من سرق هذا الوطن؟
لأن طرح السؤال قد يضعك في خانة “العميل”، في بلد صار فيه الوطني الحقيقي هو من يصمت كثيرًا ويأكل قليلًا.
التحليل الاجتماعي الثقافي: من منحة ابن فلان إلى لعنة ابن الشعب
في هذا البلد:
وظيفة مرموقة؟ تحتاج ختم شيخ أو ابن ضابط.
منحة دراسية؟ تحتاج أن تحمل اسمًا مركبًا يليق بميزانية الدولة.
شهادة مواطن؟ لا تُمنح إلا بعد دورة في الصبر والمذلة.
أبناء المسؤولين يدرسون في لندن، بينما أبناء الشعب يُطردون من السكن الجامعي في ماليزيا.
أحفاد الناهب يعيشون في كندا… وأحفاد المواطن ينامون في صفوف الجبهة، بلا راتب ولا تأمين، ولا حتى كفن محترم.
ما الذي نريده؟ ببساطة: أن نُعامل كمواطنين… لا كمادة قابلة للحرق
نحن لا نطلب الكثير.
لا نريد يختًا في ماربيا.
لا نريد جامعة في أوكسفورد.
لا نريد شركة طيران خاصة.
نريد فقط أن نُعامل كبشر، أن تُحترم كرامتنا، أن لا تُقاس وطنيتنا بعدد المرات التي صفّقنا فيها للناهب.
—
الخاتمة:
من سرق قوتنا يجب أن يُحاكم… لا أن يُرشّح
لقد تحولت الجمهورية إلى شركة مساهمة باسم العائلة:
الشعب فيها موظف مؤقت.
الوطن هو رأس المال المسروق.
والكرامة مادة قابلة للمساومة.
من باع الأرض لا يستحق نشيدًا.
ومن جوّع الشعب لا يستحق تمثالًا.
ومن دافع عنهم… فقد اشترى بطاقة العار.
الختام:
> إذا قرأ أحد الورثة هذا المقال، فليعلم:
“لسنا حاقدين… فقط أحنا أفقر دولة .”
—
📚 المراجع:
1. UN Experts Report (2015) – ثروة علي عبدالله صالح: 32–60 مليار دولار
🔗 [AP News – UN Experts]
2. Sana’a Center Reports – اقتصاد الظل، الجنود الوهميون، فساد المؤسسات
🔗 [sanaacenter.org]
3. Arab News – Nepotism & Elite Capture
🔗 [arabnews.com]
4. Foreign Policy – So Long, Saleh
🔗 [foreignpolicy.com]
5. Wikipedia – Corruption in Yemen
🔗 [en.wikipedia.org/wiki/Corruption_in_Yemen]