رؤي ومقالات

جمال محمد غيطاس يكتب :واقعة الضابط والسايس: سطر جديد في سجل حوادث “الفريق السماوي” (السكاي تيم)

بالنسبة لي لا جديد في واقعة الضابط المعتدي والسايس المعتدى عليه سوى في التفاصيل، لأنها في جوهرها مجرد سطر جديد في سجل حوادث “الفريق السماوي” أو “السكاي تيم” الموجود بالبلاد حالياً، ولا يكف أعضاؤه عن الإقدام على مثل هذه التصرفات الفجة الضاربة عرض الحائط بكل ما يمت للقيم والأخلاق والدستور والقانون والنظام العام بصلة.
هنا أعيد ما قلته مراراً من قبل عن “السكاي تيم” أو “الفريق السماوي”، فهو في الأصل تحالف يضم مجموعة من شركات الطيران العملاقة التي تحلق طائراتها في السماء طوال الوقت. وفي مصر نشأ “سكاي تيم” بشري، بات يحلق في سماء الوطن على ارتفاع شاهق فوق القاعدة الشعبية العريضة من المواطنين المحكوم عليهم بالعيش على الأرض أو تحت الأرض.
تكوَّن “السكاي تيم” المصري من شرائح تضم بعض الكبراء في مؤسسات شتى، ثم ظهرت له امتدادات أقل في الأهمية والدرجة بالمستويات الوسطى والدنيا بهذه المؤسسات. وسلوك أعضائه ينم عن أنهم يعتبرون المجتمع بأكمله وحدة ملحقة وفناءً خلفياً للقوة التي يملكونها، سواء كانت قوة السلطة أو قوة المال أو قوة الفساد. ويجب على المجتمع – أو هذه الوحدة الملحقة – أن تكون سهلاً منبسطاً طيعاً فائق الخضرة، يحتوونه بأبصارهم بلا عائق، ويمرحون فيه بمصالحهم وأهوائهم بلا ضابط. بل ويعتبرون سائر الخلق زوائد دودية، لا يأتي من ورائها سوى التنغيص، ولابد من بترها عند أول إحساس بالضيق والألم. أما السلطة التي أتتهم فيرونها حقاً مكتسباً، استخلصوه عنوةً من عيون وأحشاء خصومهم، لذلك يستميتون في أن يحلقوا بها في السماء وحدهم.
لو راجعت صفحات الحوادث في أي من الصحف، ستجد أن حوادث “الفريق السماوي” باتت تكرر بوتيرة أكبر عدداً وأسرع حدوثاً خلال السنوات الأخيرة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
اعتداء ضابط وذويه على ممرضات مستشفى قويسنا بقسوة أفاضت إلى إجهاض ممرضة وإصابة عدد من زميلاتها، وحدثت في ديسمبر 2022.
اعتداء نائب بالبرلمان على كمين شرطة 15 مايو وهو يحاول تهريب سيارة محتوية على مخدرات وسلاح بعد قيام رجال الكمين بضبطها، وكانت في ديسمبر 2022 أيضاً.
قيام ضابط شرطة في أكتوبر 2021 بالقبض على مواطن بمنزله في الصعيد، وأثناء القبض على المواطن صفعه الضابط على وجهه في قلب داره وأمام أبنائه وأهل منزله، فقام أحد أبنائه بصفع الضابط رداً على هدر كرامة أبيه، فأطلق الضابط النار على الابن فأرداه قتيلاً.
في يوليو 2022، استأسد أحد أفراد “السكاي تيم” على فرد أمن بسيط من فئة الغلابة بكمباوند في المعادي، وصفعه على وجهه صفعات متتالية لمجرد أنه دخل معه في مناقشة بحكم عمله كفرد أمن على البوابة.
في الشهر نفسه، قتل قاضٍ زوجته المذيعة، وكُشف النقاب عن سرقة فجة للوحات محطات المترو على يد إحدى “الهوانم الصغيرات” (فئة الباروكة الكيرلي). وفي الواقعتين، كان المسار الذي مضى فيه القاتل والسارقة واحداً: كلاهما تصرف كعضو في “الفريق السماوي”، بعدما اتخذ من نفاق السلطة نقطة بداية عن عمد وسابق إصرار، بغية توفير مطية تطير به فوق رؤوس العباد وحقوقهم، والبلاد وقوانينها. وكلاهما تأفف من أن يتخذ العقل والجهد والعرق أداة يشق بها طريقه بشرف وسط العباد وتحت ظلال العدل والقانون، ثم أقدم على سلوك “السكاي تيم” المقيت.
في يوليو 2023، ارتفع أمام ساحة سيدنا الحسين سورٌ مقزز بصرياً، همجي حضارياً، شاذ عمرانياً، صادم مجتمعياً، ملتوٍ قانونياً، ليصنع مشهداً مقيتاً بدد هيبة وجلال مشهد الساحة ومسجدها الشامخ.
في الشهر نفسه وفي مدينة مدينتي، دهس شخص منفوخ عنصرياً منفلت سلوكياً أسرة بكاملها، فسقط بينهم صريع وجريح.
في الشهر نفسه في مدينة العبور، أقدم شخص آخر منفوخ بغرور القوة على طعن طالب فأرداه قتيلاً بعدما احتك بسيارته أثناء السير وأحدث بها تلفيات، وطالبه الطالب بتكلفة الإصلاح.
في الشهر نفسه في كفر شبين بالقليوبية، أقدمت فتاة طائشة (لم يوجد في عقلها رابط معقول من قيم تحث على احترام الآخرين) على قيادة سيارة والدها بطيش محموم وسرعة فائقة، واقتحمت بها صالة ألعاب لتقتل تلميذاً شاء حظه العاثر أن يوجد داخل الصالة ويموت محشوراً بين منضدتين.
قد يقول قائل: ما العلاقة بين سور مقزز يرتفع أمام مسجد يخص سيد الشهداء، وشخص يدهس أسرة في مدينتي، وآخر يقتل بسكين على طريق العبور، وثالثة تقود بفجاجة وتقتل بريئاً في صالة ألعاب؟
أقول لمن يسأل هذا السؤال: راجع جيداً تفاصيل هذه الحوادث، وستلاحظ أن الرابط بينها أن بطلها أحد أعضاء “السكاي تيم” أو “الفريق السماوي” الذي ترعرع في ظلال الديكتاتورية والاستبداد، وطفا على سطح المجتمع مدفوعاً بخصال اللامبالاة والتكبر والتجبر والاستهتار بالقيم والقانون والاستعلاء والعنصرية، بعدما حاز من قوة السلطة أو سلطة القوة ما جعله يمضي مختالاً مغروراً متحللاً من ضوابط الأخلاق والذوق والأدب والقانون والنظام العام للمجتمع والدولة. وبات يحلق في سماء الوطن وهو يتيه بتحرره من كل قيود، فيفعل ما شاء من دون مبالاة بشيء، ولا يستفيق إلا على صرخات الألم وأوجاع المسالمين، ممن ابتعدوا وترفعوا بقناعة ورضا عن كل أشكال قوة السلطة وسلطة القوة.
لا تسأل عن هوية من أقدم على الفعل في هذه الحوادث، فهذا غرق في تفاصيل تشتت الوعي وتضلل العقل. ولكن فتِّش عما نشره الاستبداد في مجتمعنا ووطننا من وهن وعطب وخلل وارتباك ويأس وفقدان للرؤية وغموض للمستقبل، وستجد أن مثل هذه الحوادث وغيرها الكثير ما هي إلا دخان ينفثه “الفريق السماوي” وهو يجوب سماء الوطن في حالة طيش كاملة، تتغذى على الغرور والكبر والتكبر والعناد والعنصرية والاستهانة بكل ما نزل من السماء من قيم، وما حوته القوانين وأصدرته الدولة من قواعد ونظم.
يبقى أن أقول لك إن الحياة في زمن “السكاي تيم” تجعل من المتعين على المرء أن يمارس حياته ويقوم بعمله وفق قاعدة أن من يحميه هو رحمة الله فقط، لا قانون ولا قاعدة ولا قيم ولا أخلاق. فالوقائع الجارية والمتواترة تقول إنه إذا ما قضت الأقدار بوضعك في احتكاك أو مواجهة أو موقف من أي نوع مع أي من أفراد هذا الفريق، فستكون في حالة لا يمكن التنبؤ بتطوراتها، لأنه لا مرجعية أو قوانين أو نظام أو قواعد أو إجراءات يمكن فهمها والاطمئنان إلى أنه عند الاحتكام إليها ستضمن حفظ الكرامة الإنسانية والحقوق المادية.
في زمن “السكاي تيم”، يصبح من الأفضل أن يكون بينك وبين أعضائه مسافة تمتص الخلاف قبل المواجهة المحسومة سلفاً لصالحهم بمنطق القوة الغشوم، مسافة تضمن لك صون الكرامة، وتضمن لهم أفضل فرصة لتنفيذ ما يرونه – وفقاً لنفوسهم المريضة – فعلاً مقدساً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى