د. فيروزالولي تكتب:”منحة دراسية على حساب الشعب… وتخرج بمرتبة الشرف في استغلال النفوذ”

في بلادٍ يضطر فيها المواطن إلى بيع أحد كليتيه ليشتري حقيبة مدرسية لطفله، ما زال أبناء النخب السياسية يتنقلون بين الجامعات العالمية والمنتجعات الأوروبية، وكأن الحرب مجرد مسلسل رمضاني عابر، لا يعنيهم سوى في نشرات الأخبار.
نحن لا نحسد أحدًا، ولا نملك رفاهية ذلك أصلًا، لكننا نحاول فقط فهم المعادلة: كيف لجيلٍ شَبَّ على أنقاض دولة، ويعيش في بلد بلا كهرباء ولا رواتب ولا سيادة، أن يرى أبناء المسؤولين السابقين ينهلون من خيرات وطنٍ لم يزرعوه، ولم يدفعوا ثمن انهياره؟
أولاد الرؤساء والجنرالات السابقين — الذين أفنوا أعمارهم في خدمة الوطن (وأرصدتهم في خدمته أيضًا) — لم يختفوا بعد سقوط النظام، كما حصل في بلدان أخرى. لا نفي، لا محاكمات، لا لجوء سياسي في ضواحي باريس، ولا حتى فقرة قصيرة في برنامج “أين هم الآن؟”!
بل على العكس، عادوا إلينا بهيئة دبلوماسيين وسفراء، بعضهم لا يفرّق بين “الختم الرسمي” و”ختم البطاط”، والبعض الآخر لا يتحدث اللغة الرسمية للبلد المضيف، لكنّه يتقن تمامًا فنون تحويل السفارات إلى صالات أفراح ولقاءات عائلية موسعة.
أما الإعلام، فهو مشغول بالترويج لهم كرموز وطنية شابة: “فلان ابن المسؤول الفلاني تخرّج من جامعة كذا!”، أو “ابنة الزعيم السابق تُبدع في مشروع ريادي في أوروبا!”
هل نخبركم بسر؟
إذا كنت تمتلك جوازًا دبلوماسيًا، ودعماً لوجستيًا من سفارة ما، وحسابًا بنكيًا في دبي أو لندن… فحتى صخرة يمكنها “التخرّج بامتياز مع مرتبة الشرف”.
نحن لا نستهين بالتعليم، بل نقدّسه. لكننا نرفض أن يُستخدم كغطاء لغسيل الصورة، وتبييض التاريخ، بينما يقبع نصف جيل في الداخل يبحث عن مقعد جامعي، أو حتى عن بسطة لبيع الماء عند الإشارة.
وحين تجرؤ على النقد، تخرج لك جوقة “المنزعجين” لتقول:
“لا تزرعوا الكراهية، هذه مجرد شباب طموح!”
لكننا لا نزرع كراهية، بل نقطف ثمار ظلمٍ لم يتوقف.
فهل أصبح طلب العدالة نوعاً من الحقد؟ وهل المساءلة تعني الهجوم؟
كل ما نفعله أننا نستخدم ما تبقّى من أصواتنا، كي لا نصبح مجرد ديكور في مشهد إعادة تدوير الفشل.
في دول مثل تونس والعراق وليبيا، رأينا أبناء الأنظمة السابقة يتلاشون بهدوء، وبعضهم دخل السجن، وبعضهم نُفي، وبعضهم عاد للظهور كمعلقين سياسيين فاشلين على “تيك توك”.
لكن في اليمن؟
الوضع مختلف: النظام سقط، والميدان احترق، والناس تشردت، لكن الأولاد ما زالوا في الصورة… وأحيانًا على الطابعة أيضًا، بتعيينات رسمية مختومة!
أما الشعب، فعليه أن يتقن فنون الصبر، ويحترف الأمل، ويشكر أولياء النعمة على نعمة “التغاضي عن وجوده .
خاتمة:
العدالة لا تحتاج حقدًا، بل ميزانًا مكسورًا منذ سنوات.
نحن لا نطلب سوى أن يتوقف هذا السيرك البائس، حيث يقف الضحية خلف الحاجز، ويتقدم ابن المسؤول نحو المستقبل، وكأن الماضي مجرد فاصل إعلاني.
ولا تنسوا:
التاريخ يكتب دائمًا بلغة باردة ومحايدة، لكن صرخة الجياع تُسمع أولًا… ولو جاءت بنَفَسٍ ساخر.