فراج إسماعيل يكتب :شهداء الصوت والكاميرا

قتل الصحفيين لأنهم صوت وصورة ينقلان للعالم الإبادة الجماعية بالقنابل والتجويع.. منهج لم يسبق تطبيقه في الحروب السابقة.
يقول معهد بيو “إن الحرب في القطاع، منذ 7 أكتوبر 2023، قتلت صحفيين أكثر مما قتلته الحرب الأهلية الأميركية، والحربين العالميتين الأولى والثانية، والحرب الكورية، وحرب فيتنام (بما في ذلك الصراعات في كمبوديا ولاوس) والحروب في يوغوسلافيا في التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وحرب ما بعد 11 سبتمبر في أفغانستان، مجتمعة”.
يأتي استهداف الشهيد أنس الشريف، وهو مراسل محلي يعمل بالمكافأة أو بالقطعة في قناة الجزيرة (Freelance) مع زملائه الخمسة، في إطار الحصار المفروض على القطاع الذي يشمل أيضا وسائل الإعلام الدولية وتقييد أو منع تغطيتها.
الاغتيال الذي اعترف الجيش الإسرائيلي بأنه استهداف زاعماً بأنه يعمل ضمن الجهاز الدعائي للحركة وأنه كان يتستر خلف وظيفة “صحفي” . وزعمت أنه قائد خلية مسؤول عن تطوير الصواريخ، شمل خمسة آخرين ، 4 منهم تابعون لقناة الجزيرة وهم المراسل محمد قريقع، والمصورين إبراهيم زاهر ومؤمن عليوة، ومحمد نوفل. اتهامات الجيش نفتها الأمم المتحدة ونشطاء الصحافة، واعتبروا اغتيال الشريف وزملائه إسكاتا للأصوات القليلة الباقية، فقد غطى الأحداث بحرفية وموضوعية طيلة السنتين الأخيرتين اللتين التحق فيهما بالقناة.
لجنة حماية الصحفيين في يوليو الماضي قالت إنها “تشعر بقلق بالغ” على سلامة الشريف في أعقاب مزاعم الجيش الإسرائيلي، ووصفتها بأنها “حملة تشويه”، يعتقد الشريف أنها “مقدمة لاغتياله”.
أشارت وكالة أسوشيتد برس إلى أن الجزيرة من بين القنوات القليلة التي لديها فريق كبير من المراسلين داخل غزة، والذين يستطيعون توثيق الوفيات الناجمة عن الغارات الإسرائيلية وعن الحصار.
تفرض إسرائيل قيودًا مشددة على الصحفيين الدوليين في القطاع. وفي يوليو قالت إيرين خان، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحرية التعبير، إن إسرائيل “تمارس بلا هوادة تشويه سمعة الصحفيين المحليين القلائل المتبقين، وتهديدهم، وعرقلتهم، واستهدافهم، وقتلهم، باعتبارهم عيون العالم الخارجي الوحيدة على الإبادة الجماعية المستمرة”.
أدانت الاغتيال العديد من منظمات الدفاع عن الصحافة، بما في ذلك لجنة حماية الصحفيين ومؤسسة حرية الصحافة.
أشارت لجنة حماية الصحفيين والأمم المتحدة إلى أن الجيش الإسرائيلي يُوجّه اتهاماتٍ إرهابية لا أساس لها ضد صحفيين فلسطينيين، ثم يقوم بقتلهم لاحقًا.
وأضافت اللجنة: “تُصنّف هذه الحالات على أنها جرائم قتل”.
وقالت الأمم المتحدة على حسابها بمنصة X: “ندين قتل الجيش الإسرائيلي لستة صحفيين فلسطينيين باستهداف خيمتهم، في انتهاك صارخ للقانون الإنساني الدولي”، مضيفة أن “إسرائيل يجب أن تحترم وتحمي جميع المدنيين، بمن فيهم الصحفيون”.
عمل الشريف لدى الجزيرة لمدة عامين تقريبا، وفقا لما ذكرته العديد من المصادر.
ترك وراءه زوجته “بيان” وابنتهما البالغة من العمر أربع سنوات وابنه البالغ من العمر عاما واحدا. قتل والده في غارة جوية إسرائيلية بعد وقت قصير من بدء الشريف العمل في القناة .
نُشرت صورة على حساب الشريف الرسمي على إنستجرام تجمعه بطفليه. ووفقًا للتعليق، كانت هذه أول مرة يلتقي فيها بابنه بعد 15 شهرًا من الحرب.
صرح محمد معوض، مدير تحرير قناة الجزيرة، لبي بي سي أن الشريف كان “الصوت الوحيد المتبقي في مدينة غزة”.
بكى الشريف على الهواء أثناء تغطيته لأزمة المجاعة في يوليو الماضي، مما أثار اهتمامًا دوليًا، وبعد ذلك تصاعدت اتهامات الجيش الإسرائيلي.
في إحدى المرات، نشر متحدث باسم الجيش الإسرائيلي تسجيلًا للشريف وهو يبكي، واتهمه بـ”الدعاية” والمشاركة في “الحملة الكاذبة حول المجاعة” وفق تعبيره.
قالت إيرين خان إن الشريف قُتل “دون تقديم أي دليل على الإطلاق على أنه لم يكن سوى صحفي”.
المحللون المحليون يقدرون عدد الشهداء الفلسطينيين من الصحفيين بما يتراوح بين 190 و270 صحفياً.
تقول لجنة حماية الصحفيين إن ما لا يقل عن 192 صحفيًا وعاملًا إعلاميًا فلسطينيًا استشهدوا خلال الحرب. ويقدر مكتب الإعلام الحكومي عدد الشهداء الصحفيين بـ 238 صحفيًا.
وتشير تقديرات موقع Shireen.ps، وهو موقع يديره صحفيون فلسطينيون، إلى مقتل أكثر من 270 من العاملين في وسائل الإعلام .