كتاب وشعراء

وشم على كتف الغبار… الشاعر اليمني عميد المهيوبي

العربي اليوم

السماءُ..

مظلمةٌ كصدرِ يتيم،

والأرضُ…

كلغة مكسورة

تحاول أن تكتبَ وصيّتَها الأخيرة

بدموعِ الأمهات..

 

ثَمَّةَ بلاد..

تنبتُ أضرحةً بدلاً من الزهور،

أمٌ تتمسح بجلد صغيرها الهش،

تلبسه الأكفان بدلا من الزي المدرسي

وترشده إلى المقابر على غفلة من مدخل الحديقة.

– الملائكةُ يحبّون الأطفال النظاف-

/الملائكة..!

لا أدري لِمَ حشرتُ الجميع والأمر متعلق بواحد.

 

الحياة لا تؤمن بمنطقنا،

الحب،

لا يشبه مقررات النحو،

والحنين أيضا ليس كتابًا يُمتحن عليه.

 

الحمامُ ضلّ طريقه،

والهدهدُ فقد رسالته،

وراح ينقرُ في كتفِ الغيب

عن نبيٍّ

لا تغريه هدايا بلقيس،

 

الغبارُ يعرفُ الحقيقة،

لكنه لا يكتبُ.

والأرضُ…

تفتحُ فمَها كلَّ مساء،

لتبتلعَ ما تبقّى من الحكاية.

 

الصلاةَ تتعثرُ بدمعِ الأمهاتِ،

ويصعدُ الدعاءُ

مثقوبَ الجناحينِ إلى سماءٍ أغلقتْ بريدها،

والملائكةُ…

مشغولون بتسجيلِ أسماء الغائبين عن النور.

 

والمآذنُ تصدحُ في فراغٍ أخرس،

تتلو نشيدَ الغائبين

بصوتٍ مبحوحٍ من شدةِ الانتظار.

القبورُ تعرفُ أسماءنا

أكثرَ من جيراننا،

والترابُ باتَ سمساراً مع الله

لمن لا يجدون طريقاً للسماء.

 

الطفلُ الذي يبحثُ عن عصفورٍ بين القذائف،

نبيٌّ صغير،

أضاعَ رسالتهُ في ركامِ المدرسة،

واكتفى بقطعةِ طباشيرٍ،

يرسمُ بها باباً…

 

كنتُ أظنُّ أن الضوءَ ينجبُ الحياة،

لكنني رأيته يُسحقُ تحت أقدامِ الجنود،

ويعلقُ في الزنازينِ كشاهدٍ أخرس

على جرم لمْ يقترفه أحد.

 

في الزوايا التي أهملها الضوء،

في ارتجافةِ الدعاء

عندما فقدُ العنوان.

لم أرك،

لكني سمعتُ أنينك

في الريح،

في تمزقُ الغيمَ عن صدرِ الجبال.

 

كلما مددتُ يدي،

أمسكتُ فراغًا دافئًا

لماذا تبدو صامتًا،

أنتَ أيضاً خائفٌ من النبأ،

تعبتَ من أحلامِ الفقراء

من مناجاةِ الطين،

ممن يحملون القبورَ على أكتافهم

كأنها عناوينهم الجديدة..؟!

 

في خانة الاهتمامات

أكتبُ اسمك بخط مائل

ثم أجعلهُ سميكاً،

أظللهُ كلما شعرت أنك تميل نحو الانطفاء.

 

آمنتُ بك،

كما تؤمنُ نبتة في الصحراءِ

بذاكرة الماء.

ليس لأنك تثرثر،

بل لأن الصمتَ حين يجيء منك…

يُشبهُ القصيدة المطرزة باللازورد.

 

أنا مطرٌ فاسدٌ يسقط من غيمٍ بلا ذاكرة،

قيدٌ مشغولٌ من حرير الأمنيات،

مذبوحٌ على سريرٍ كان يومًا وطنًا

وصار حانوتا لبيع الموت..

 

لستُ نبيًّا…

لكنّي رأيتُ الموت يبكي على جسدي

حينَ اكتشفَ أنني أحببتُ جلّادي

وأعددتُ له مذبحًا من أضلعي.

 

لا أصلي،

لكنني أرتجفُ كلما سجدتُ الكلماتُ

على الورق.

وأشعرُ أن الحبرَ دمٌ آخر،

يسيلُ من جرحٍ لم يُعلن بعد.

 

أريدك أن تكون إنسانًا أكثر،

لأقول لك، إن الفجر الذي وعدتني به

يشبه غروبًا لا ينتهي.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى