حسام السيسي يكتب :غياب البديل.. الجريمة الصامتة في العالم العربي

من المحيط إلى الخليج، تظل أكبر خطيئة سياسية ترتكبها الأنظمة الحاكمة هي إغلاق الباب أمام أي بديل محتمل، وكأنها تقول لشعوبها: “إما نحن أو الفوضى”. هذا النهج لا يترك للمجتمعات سوى خيارين أحلاهما مرّ: استمرار الوضع القائم بكل فساده وعلله، أو الانزلاق إلى المجهول لحظة السقوط.
المفارقة أن هذا ليس مجرد قصور في الرؤية، بل خيانة استراتيجية للوعي الجمعي، لأن بناء بدائل سياسية صحية ليس ترفًا، بل ضرورة وجودية لأي دولة تحترم نفسها. الدول التي تحترم شعوبها تعمل على تمكين معارضة منظمة، وفتح المجال السياسي، وصياغة دساتير تحمي التنوع السياسي وتسمح بتداول السلطة، حتى وإن كان الحزب الحاكم واثقًا من شعبيته.
في إسرائيل، على سبيل المثال، لا أحد يشكك في قوة الجيش أو المؤسسات، لكن الأهم أن النظام السياسي قائم على قاعدة “البديل جاهز”. الأحزاب تتنافس، والانتخابات قد تطيح برئيس وزراء في يوم واحد، لكن الدولة تستمر بلا فراغ سياسي أو انهيار. حتى في أوقات الحروب، حين يسقط ائتلاف، يتشكل آخر خلال أيام، لأن البنية السياسية مؤسسية وليست مرتبطة بشخص واحد.
أما في العالم العربي، فالحاكم هو المؤسسة، والمؤسسة هي الحاكم. حين يرحل، ينهار كل شيء من حوله لأن النظام بُني ليخدم استمراره، لا استمرارية الدولة. هنا يكمن الفارق الجوهري: في إسرائيل، التعددية السياسية أداة للبقاء، وفي أغلب الدول العربية، هي خطر يجب إجهاضه قبل أن يولد.
إغلاق المجال أمام البدائل لا يقتل السياسة فقط، بل يقتل الإبداع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، لأن الجميع يعلم أن أي تغيير حقيقي محكوم عليه بالإعدام قبل أن يرى النور. والنتيجة: شعوب تعيش في “قفص الاستقرار المزيف”، حتى إذا انكسر القفص، اكتشفت أن الخارج ليس حديقة، بل فراغ موحش.
إن إصلاح هذا الخلل يبدأ من إعادة تعريف الدولة بوصفها كيانًا أكبر من الأشخاص، وبناء حياة سياسية تعددية تجعل وجود المعارضة حقًا أصيلًا، لا مؤامرة على الأمن القومي. حينها فقط، يمكن أن نسحب من يد الأنظمة ورقة “نحن أو الفوضى”، ونمنح الشعوب حقها في مستقبل لا يُرتهن برغبات فرد أو حفنة من النخب.