أنخابُ العَطَشِ…..بقلم سليمان أحمد العوجي

كأيِّ عَجوزٍ في مُقتَبَلِ المَوتِ،
يبيعُ أبي حَطَبَ العُمرِ
بحُفنةٍ من صُكوكِ الغُفرانِ.
قد يَغيبُ بعدَ حينٍ،
تاركًا ثَروةً مَهولةً من الحُزنِ،
وجبينًا مُجعَّدَ الحَسَراتِ.
قَدَرُهُ أن يَجوبَ حَدائقَ الحَقيقةِ
بقدَمينِ مُتورِّمَتَين،
من مَطلَعِ الرِّيبةِ
حتّى مَغيبِ الشَّكِّ.
يَصُبُّ خَمرَ الخَطيئةِ في كأسِ التَّوبَةِ،
والأهلُ عنهُ لاهُونَ،
يَتبادَلونَ أنخابَ العَطَشِ.
سُبحَةُ أبي لا تَمَلُّ الدَّوَرانَ
بينَ أصابِعِهِ،
وفي حَلقِهِ لم يَبقَ إلّا الطِّينُ
وأسماءُ اللهِ التي لا تَجِفُّ.
هُنا مدينةٌ
نَشِفَ فيها رِيقُ الماءِ،
وأميرةُ البَيادِرِ سُنبُلَةٌ
في رَيعانِ الحِنطَةِ،
تَمشِي حافِيَةَ الحَلقِ،
جَرَحَها الماءُ بوَعدٍ كاذِبٍ.
تَفِرُّ مِن غيرِ ضِمادٍ،
تَعبُرُ وَحلًا مِن طُغيانٍ.
لا ذَنبَ للماءِ السَّجينِ يا أميرةُ،
وهوَ يَرمي في عَنابِرِ النَّهرِ الخاويةِ
آخِرَ أمانِيهِ.
مَتى تَخرُجُ عِشتارُ
مِن قِمقِمِ الرِّدَّةِ،
لِتُعَدِّدَ سَجايا الفُصولِ،
وتَمسَحَ دَمعَ الحُقولِ؟
المارُّونَ من هُنا
ارتَشَفوا الغَضَبَ
حتّى آخِرَ قَطرَةٍ.
المارُّونَ — أهلي —
حَطَّموا الأصنامَ،
ولا ماءَ لِنُطفئ
ما جَمَعَ النَّمرودُ من كَيدٍ.
فيا نارُ،
كوني بَردًا وسَلامًا.
نَمْ يا صَغيري
على وِسادةِ العَطَشِ،
غَدًا سيأتي الخَابورُ
بِعَرائِسِ الماءِ.
لا يا أمِّي،
أولادُ السُّلطانِ يَلهُونَ برِئتِهِ،
ويَسُدُّونَ دُروبَ الشِّريانِ بمَخالِبِهِم.
مَآذِنُ قَصِيَّةُ الإيمانِ،
وإمامُ الظِّلِّ يَرفَعُ أذانَ الأباطيلِ.
كيفَ أنامُ يا أمِّي،
والماءُ الذَّابِلُ
يُمسِكُ بطَرفِ ثَوبِكِ
كآخِرِ مَلاذٍ؟
لا ذَنبَ للماءِ
إن تَشَقَّقَتْ شِفاهُهُ،
لا ماءَ في جَوفِ المدينةِ
لأغسِلَ صَدأَ الماءِ.
هُزِّي بجِذعِ الغَضَبِ،
ودَعي المِلحَ يَلعَقُ جُرحي.
إخوَةٌ كانوا لي إخوةً،
يُسيِّجونَ العَطَشَ،
ويَرفَعُونَ أسوارَ المَوتِ،
يَرشُونَ الذِّئبَ،
والجُبَّ،
والسَّيَّارةَ.
قُلْ لِمَن يَكنِزُونَ الرِّيحَ
في خَزائِنِ صُدورِهِم:
لا،
لَن يَنامَ الثَّأرُ
حتّى يَصيرَ فُراتًا من كَرامةٍ.