رؤي ومقالات

تعز بين أزمة الضمير وفساد السلطة الصحفي/ عميد المهيوبي

العربي اليوم

تعز، المدينة التي لطالما كانت عنوانًا للثقافة والعلم، وحاملة لواء الثورة والجمهورية، تواجه اليوم تحديًا داخليًا لا يقل قسوة عن الحصار والقصف الذي عانته لسنوات. هذه المدينة التي لم تركع للطغاة، ولم تخضع للفاسدين، قاومت الحصار، وتحدت العطش، وواجهت كل الصعوبات، وبقيت شامخة، وعصية على الانكسار، رغم كل أدوات القمع الوحشية.

 

ما يؤلم اليوم أكثر من أي وقت مضى، أن تعز تعاني من أزمة ضمير متجذرة في نفوس الطامعين من أبنائها الذين احتضنتهم، وتحملت العناء من أجلهم، فتنكروا لها ووجهوا لها طعنة غادرة بممارسات، يقودها تجار لا يخافون الله، يستغلون كل مجال للنيل من أمهم، التي رعتهم وربّتهم.

 

اولئك الفاسدون أمهلهم الله وسترهم ولكنهم لم يتعظوا حتى جاء تراجع أسعار الصرف كشف المستور، وأظهر حقيقتهم البشعة ونواياهم السوداء. حيث أظهرت تحركات الحملة الأمنية الأخيرة الكثير من السرقات التي يمارسونها التجار بحق المواد الأساسية، من الرغيف إلى البترول، ومن السكر والأرز إلى القمح، دون أي انعكاس إيجابي على حياة المواطن رغم استقرار الصرف مما يعكس أزمة أخلاقية وإنسانية.

 

وفي الوقت الذي بدأت فيه الحملة الأمنية بإعادة شيء من الأمل للمواطنين، جاء قرار إيقافها، قبل أن تصل إلى بقية الخدمات التي تخدم المواطن التعزي ومن هذه الخدمات:

 

الإيجارات

بالرغم من صدور عدة قرارات بعدم رفع الإيجارات على المواطنين، وعدم التأجير بالعملة الصعبة أو الريال السعودي، إلا أن هذه القرارات بقيت مجرد محاضر اجتماعات لا قيمة لها. فلا يوجد مستأجر في تعز تم تجديد عقد إيجاره الجديد بنفس سعر العام السابق، كما لا توجد محكمة أصدرت قرارًا ينصف المستأجر أو يؤيد قرارات السلطة، لأن المحاكم وجدت أن تلك القرارات لم تُطبق على أي من المؤجرين. وإذا أرادت الحملة الأمنية التحقق من ذلك، فعليها النزول إلى المستأجرين لسماع ما يواجهونه من معاملات المؤجرين. وأنا واحد من أولئك الذين يعانون من هذه المشكلة.

 

البسطات والمطاعم

في البسطات لم تنخفض أسعار السلع رغم تراجع سعر الصرف بنسبة كبيرة. فمثلاً، سعر كيلو العنب بقي عند 3500 ريال، كما أن المطاعم ما تزال تبيع الوجبات بأسعار ما قبل الانخفاض، دون أي مراعاة للظروف الاقتصادية للمواطنين.

 

الصيدليات والمستشفات

أسعار الأدوية ما زالت فوق السحاب، رغم تراجع سعر الصرف.

يقول أحد المواطنين إنه قبل عشرة أيام أراد شراء علاج فوجده بسعر 90 ألف ريال، وبعد انخفاض أسعار العملات بنسبة تقارب 50%، ما زال العلاج بنفس السعر في بعض الصيدليات، بينما خفّضت أخرى السعر 5000 ريال فقط.

أما المستشفيات التي من المفترض أن تقدم خدمات للمواطن مجانًا، تحولت إلى أسواق تجارية تتاجر بأوجاع الناس. فقد فُرضت زيادات باهظة على الخدمات الطبية والفحوصات المخبرية، وأصبحت هذه الأسعار ثابتة، والمواطن عاجز عن الدفع.

 

مكتبات الطباعة واستوديوهات التصوير

حتى الخدمات التعليمية لم تسلم من الغلاء، حيث تستمر مكتبات الطباعة واستديوهات التصوير في فرض أسعار مرتفعة، ما يثقل كاهل طلاب الجامعات والمدارس، ويزيد من معاناة أصحاب القضايا في المحاكم، الذين يعتمدون على هذه الخدمات بشكل يومي.

 

هذه بعض الحاجات اليومية التي نحتاجها كمواطنين فنحن لم نعد نثق بأحد في هذه المدينة التي أصبحت مثال للفساد المؤسسي والمجتمعي وهولاء الذين لا يمثلون تعز ولا يمثلون إلا شخصهم الخبيث، وليخجل من تعز من خانها، ولينتصر لها من بقي وفيًّا لها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى