رؤي ومقالات

التقبّل… الأزمة الصامتة في المجتمع السوري بقلم/الإعلامية دعاء الصالح

التقبّل ليس ترفًا أخلاقيًا ولا شعارًا مثاليًا، بل هو حجر الأساس لأي مجتمع سليم وقادر على التطور. لكن في سوريا، يبدو أن هذه القيمة غائبة منذ زمن طويل. فنحن لا نتقبل الآخر كما هو، بعيوبه وإيجابياته، بمحاسنه ومساوئه. هذه ليست أزمة عابرة، بل مشكلة تاريخية متجذرة، تتكرر في كل زاوية من حياتنا.

المجتمع السوري يميل بشكل واضح إلى التصنيف والحكم المسبق، إلى درجة أن الاختلاف في أبسط التفاصيل قد يتحوّل إلى شرخ عميق. المشكلة لا تقتصر على الانقسام الطائفي أو السياسي، بل تمتد إلى الحياة اليومية: بين المحافظات، بين أبناء الطائفة الواحدة، بل وحتى بين أفراد البيت الواحد.

خذوا مثالًا واقعيًا: في البيت الواحد، كما في كثير من البيوت، قد نجد الإخوة عاجزين عن تقبّل بعضهم. وفي الزيجات التي تجمع عائلتين، سرعان ما تتبادل الأطراف الانتقادات، حتى في تفاصيل بسيطة مثل طريقة إعداد الطعام أو أسلوب الضيافة. كل طرف مقتنع أن أسلوبه هو الأصح، والأجمل، والأذكى، والأكثر “تحضرًا”. هذه الذهنية وحدها كفيلة بتدمير زيجات كثيرة قبل أن تستقر.

الحقيقة أننا لم نتربَّ على ثقافة “تقبّل الآخر”، بل على ثقافة “أنا الأفضل” و”ما أفعله هو الصواب”. هذه العقلية تتشكل منذ الطفولة، وتكبر معنا، لتصبح جزءًا من البنية الاجتماعية العامة.

اليوم، عدم التقبّل لم يعد مجرد سلوك فردي، بل تحوّل إلى مشكلة بنيوية تمسّ كينونة المجتمع السوري الكبرى. بل إن الأمر وصل إلى أن السوري نفسه، في بعض الأحيان، لا يتقبّل ذاته. وهذه هي المعضلة التي يجب أن نواجهها بجرأة إذا أردنا لمجتمعنا أن ينهض من جديد.
الاعلامية :دعاء الصالح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى