رؤي ومقالات

د.فيروزالولي تكتب :حين يفيق الضمير على صوت العقوبات: هائل سعيد وأنعم الخوف

البضاعة التي لم تُعلن في التخفيضات… هي “الضمير”

في نشرةٍ لم تُذَع على قناة “التعامل بالمثل”، أعلنت مجموعة هائل سعيد أنعم – والتي يبدو أن اسمها الكامل أصبح “هائل سعيد أنعم وتراجع عند اللزوم” – عن تخفيضات مفاجئة على أسعار بعض السلع. لا، ليس احتفالًا بالعيد، ولا حبًا في الفقير، بل بعد صفارة إنذار دولية جعلت المجموعة ترى في العقوبات ما لم تره في ضمير السوق!

الناس في الشارع يتساءلون: هل هذا تخفيض ولا تنفيض؟ هل صحا الضمير فجأة؟ أم أن الفزع من خسارة الامتيازات أفقد الشركات توازنها، فخلطت بين الإحسان والإذعان؟ في هذا المقال، نغوص في دهاليز هذه “المبادرة”، ونحاول أن نكتشف ما إذا كان “الخوف من فوق” قد تفوق على “الرحمة من القلب”.

1. البُعد الأخلاقي: شركات كبرى… وضمائر بحجم علبة سردين

أخلاقيًا، يفترض أن المؤسسات الكبيرة تلعب دور الأخ الأكبر في المجتمع… إلا أن “أخونا الكبير” هنا فضل يلعب دور الوحش الكبير في السوق، تاركًا المواطن يلهث خلف كيلو السكر وكأنه يبحث عن ذهب سليمان.

بدل أن تكون المبادرة في زمن الأزمة، أتت “الكرامة التجارية” بعد التلويح بـ”القائمة السوداء”. يبدو أن الضمير عند بعض الشركات لا يعمل إلا بنظام البطارية، ويحتاج إلى شحن خارجي… preferably via Brussels.

2. البُعد النفسي: عقوبات دولية كمحفز نفسي بديل للقهوة

في علم النفس التجاري – إن وجد – يُقال إن الشركات تتخذ قراراتها بناءً على الرؤية والالتزام… لكن ما رأيناه هو أن بعض الشركات لا ترى إلا تحت تأثير العصا، ولا تلتزم إلا إذا لم تجد طريقًا للهرب.

في حالة هائل سعيد، واضح أن التحفيز لم يكن من النوع الإيجابي (مسؤولية اجتماعية، مثلًا)، بل من النوع الذي يأتي بصيغة: “إمّا تنخفض الأسعار، أو ترتفع عليك الملفات.

3. البُعد الاقتصادي: الاحتكار بعيون مغمّضة… ومسؤولية في إجازة طويلة

اقتصاديًا، لن تجد في قاموس السوق اليمني تعريفًا أدق للاحتكار من “مجموعة تتحكم من الميناء إلى الملعقة”. حتى ملح الطعام يمر عبر بواباتها! ومع ذلك، حين تسأل عن الأسعار، يقولون لك: “نحن مجرد تجّار… السوق حر”.

يا سبحان الله. السوق حر، لكن المواطن عبدٌ للأسعار، والحكومة عبدٌ للنفوذ، أما الشركات فحرّة إلى أن تطرق العقوبات الباب، فتتحول فجأة إلى جمعيات خيرية توزع التنازلات.

4. البُعد السياسي: من قال إن الاقتصاد لا يصوت؟

موقف مجموعة هائل سعيد من الإجراءات الحكومية لم يكن مجرد “اختلاف في وجهات النظر”، بل بدا أقرب إلى موقف سياسي هادئ بنكهة اقتصادية حادة. “مش هنتعامل مع إجراءات الحكومة!”، وكأنها جمعية أولياء أمور غاضبة من إدارة مدرسة، لا شركة في دولة.

في بلد تنهشه الحرب من كل جهة، يصبح رفض التعاون مع حكومة معترف بها دوليًا، ليس اعتراضًا فنيًا، بل رسائل مشفرة بلغة السوق: “السيادة؟ نحنا ما نشتريها، نحنا نبيعها”.

5. البُعد الاجتماعي: المواطن هو الخصم والحَكم والمجني عليه

الضحايا في هذا المشهد ليسوا المدراء التنفيذيين ولا وكلاء التخفيضات… بل المواطن العادي الذي يحسب ميزانية الشهر بالـ”المعلقة والكسرة”.

حين يُفرض تخفيض بعد فوات الأوان، فإن الرسالة التي تصل هي: “نخفض لما نُجبر، لا عندما تحتاجون”. وهكذا يتحول الفقير إلى متفرج في مسرحية قرارات لا يُدعى للمشاركة فيها، بل يُطلب منه فقط دفع التذكرة… حتى لو كانت حياته.

6. البُعد الثقافي: الانحناء للعقوبات… والعبوس في وجه الشعب

الثقافة السائدة لدى بعض الشركات الكبرى تشبه رقصة غريبة: انحناء تام أمام التهديد الخارجي، ووقوف شامخ أمام مطالب الداخل. الشعب لا يخيف، أما “الخواجة” فحرفيًا يُفزع!

في هذه العقلية، الدولة تُرى كمجموعة موظفين يعرقلون الأعمال، والشعب مجرد رقم في قوائم المبيعات. أما العقوبات؟ فهي الوحي الذي لا يُكذَّب، والمحرّك الوحيد الذي يشعل “شعلة الإنسانية”.

خاتمة: لم نطلب بطولة… فقط بعض الإنصاف

التخفيض المتأخر ليس منحة، بل واجب مؤجل. ومجرد الرضوخ للضغوط لا يعني أن الضمير استيقظ، بل أن الامتيازات في خطر. المطلوب اليوم ليس تخفيضًا موسميًا، بل مراجعة جذرية لمنظومة السوق التي تُدار بعقلية “التاجر الحُرّ في غابة بلا قانون”.

على الدولة أن تُعيد ضبط العلاقة مع هذه الكيانات التي كبرت لدرجة ظنت فيها أن القانون مجرد إشاعة. وعلى المجتمع أن يتعلم أن الخوف الخارجي ليس ضمانًا للعدل الداخلي، وأن الضغط الشعبي هو أيضًا “عقوبة ناعمة”… لكنها قد تكون أكثر فعالية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى