رؤي ومقالات

د.فيروز الولي تكتب:الطابور الأخير: نخبة وطن في قاعة الانتظار

في مشهد لا يمكن تصنيفه إلا ضمن أفلام العبث السياسي الرديئة، حضرتُ صدفة—أو ربما قَدَريًا—حفل توزيع “الهبة الملكية” في مؤتمر الرياض 2022، ذلك الطقس السنوي الذي يتحول فيه من كان بالأمس فارس رأي ومذيعاً وطنياً وقنصلاً مفوهاً، إلى مجرد رقم في طابور “الختيارة” الذين اصطفّوا بتهذيب مؤلم، ينتظرون أن يناديهم الحارس للدخول، كأنهم تلاميذ يتسابقون على حصة حليب.

الطابور طويل، المذلة فيه مجانية، والابتسامة مشروطة بورقة اعتماد لا تصدرها وزارة الخارجية، بل تُمنح من خلف الستار.

رأيتهم بأم عيني: مصطفى نعمان يقف في الطابور بكل اتزان دبلوماسي، وخلفه مباشرة يحيى الشعيبي، محافظته القديمة لا تزال على وجهه، لكنه يرتجف كأنه يقرأ بياناً على الهواء.

أمامهم مذيع سابق يتلفت وكأنه يبحث عن الكاميرا الخفية التي لا وجود لها، بينما القنصل الفلاني يتصبب عرقاً وهو ينظر في الأرض، ربما حياءً من نفسه، أو رعباً من وجودي هناك. لأنني لم “أنسق” معهم اسمي في القائمة. لقد فوجئوا بي! تساءلوا بدهشة وقلق: كيف وصلَت؟ ولماذا لم تُخبرنا؟

أجبتهم ببرود يليق بالموقف:
“لأنني ببساطة لن أكون شريكة في مسرحية، بل شاهدة على الفضيحة… وسأفضحكم أمام الإعلام العالمي.”

القاعة… حيث تُصنَع الخيبة

بينما هم واقفون بانتظار النداء الملكي، كان الإعلام الدولي يرصد وجوههم؛ وجوهٌ انكمشت كما لو أنها تذكرت فجأةً كل تصريحاتها الوطنية السابقة. لا أحد يجرؤ على رفع رأسه.

وبعد 12 ساعة من الانتظار، حيث شربوا قهوتهم الباردة، وأعادوا تصفيف ما تبقى من شعرهم المتساقط، جاء القرار العظيم:

تعيين “السبع المدهش” بقيادة رشاد العليمي، وتنحي الرئيس “الشرعي” تحت الإقامة الجبرية.

ولك أن تتخيل التصفيق الحار!

تصفيق لم يكن حماساً، بقدر ما كان غريزة بدائية للحفاظ على مكانهم في الوليمة.
هتفوا، باركوا، تبادلوا الأحضان، وكأنهم شاركوا فعليًا في صناعة القرار، بينما كل ما شاركوا فيه هو الطابور… والهبة.

الهبة… مقابل الصمت

خرجوا من القاعة محملين بعلب العطور، وربما مغلفات “رمزية”، وعادوا إلى فنادقهم الفاخرة ليناموا نوم المطمئن… أو الخانع.

لم يسأل أحدهم: من اختار “السبع”؟ ولماذا؟ وكيف يدار بلدٌ يُختزل مصيره في حفل باذخ داخل صالة مظلّلة؟

لا إجابات. فقط صور سيلفي، وضحكات خافتة، وتصريحات لاحقة على فيسبوك تشكر “القيادة الحكيمة”.

ختام لائق لعرض بائس

ما جرى ليس مشهداً نادراً، بل تكرار فجّ لمسلسل لا ينتهي، بطولة نخب فقدت ذاكرتها، أو تخلّت عنها طواعية.

بلدٌ بأكمله يُدار من خلف كواليس فندق، ونخبةٌ تعتقد أن الوطنية تُقاس بمقدار الهبة الملكية، لا بمقدار الموقف.

أما أنا؟ فكتبت.

لأنني إن لم أفضحهم اليوم، سيأتي غدٌ يُقال فيه إن مصطفى نعمان، ويحيى الشعيبي، ورفاقهم كانوا “رجال المرحلة”، وأنهم “أنقذوا البلاد”…

فهل كان الطابور حقًا من أجل الهبة… أم من أجل دور في دفن ما تبقى من وطن؟

الحقيقة؟
أنهم كانوا فقط في الطابور، كغيرهم، ينتظرون أدوارهم… في الخيبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى