فِي عُمْقِ الهُجُوعِ….بقلم مريم أبو زيد

تَاهَتْ قَدَمَايَ فِي مَزَارِ الْغُيُوبِ، حَيْثُ يَذُوبُ الْحَدِيدُ وَيَنْسَحِقُ الْوَقْتُ كَزُجَاجَةٍ مَحْطُومَةٍ. أَسْلَمْتُ نَفْسِي لِلضَّبَابِ، فَحَمَلَنِي نَحْوَ “لَامَكَانَ” لَا شَمْسَ فِيهِ وَلَا ظِلَّ، فَقَطْ صَمْتٌ يُشْبِهُ صُرَاخًا.
ذَابَ طَيْفُهُ فِي مُرُوجِ الذِّكْرَى، وَانْسَحَقَتْ دُمُوعِي عَلَى مِرْآةِ الْغِيَابِ. بَحَثْتُ فِي عَيْنَيْهِ عَنْ مَلْجَأٍ، فَوَجَدْتُنِي أَسْبَحُ فِي مُحِيطٍ مِنْ ضِيَاءٍ مُبْهَمٍ، حَيْثُ الْحُرِّيَّةُ وَالْفَقْدُ وَاحِدٌ.
تَكَسَّرَتِ اللُّغَةُ فِي فَمِي، فَصِرْتُ أُحَاوِلُ قِرَاءَةَ صَمْتِهِ. سَقَطَتْ ذِكْرَيَاتُنَا كَأَوْرَاقِ خَرِيفٍ عَلَى مَرْآةِ الْمَاءِ، وَالزَّمَنُ وَقَفَ كَسَاهِلٍ مُثْقَلٍ بِأَحْزَانِ الْكَوْنِ.
اللَّيْلُ يَسْكُنُ أُذُنَيَّ الآنَ، وَصَدَى صَوْتِهِ يَمْشِي فِي دَاخِلِي كَطَفْلٍ خَائِفٍ. رُوحِي تَحُطُّ عَلَى أَشْجَارِ الْوَدَاعِ، تَلُفُّهَا أَكْفَانٌ مِنْ عَبِيرِ الْفُلِّ وَدَمِ الْزَّنْبَقِ.
الْكُرْسِيُّ الْخَالِي يُنَادِينِي، وَالْوَحْدَةُ تَمْلَأُ الْفَضَاءَ كَسَائِحٍ لَا يَصِلُ. أَمْشِي فِي الدُّرُوبِ بِقَدَمَيْنِ مِنْ حِجَارَةٍ، وَالْمَجْهُولُ يَفْتَحُ أَحْضَانَهُ كَقَبْرٍ وَاسِعٍ.
وَفِي الْهَوَاءِ بَقِيَّةُ صَوْتِهِ، رُوحُهُ تَرْفُضُ الْمَوْتَ، تَتَعَلَّقُ بِي كَضِيَاءِ نَجْمَةٍ مُنْطَفِئَةٍ. أَمْسِكُ بِاللَّحَظَاتِ فَتَذْرِفُ بَيْنَ أَصَابِعِي، وَيَفِرُّ الْوَقْتُ مِنِّي كَالْمَاءِ.
نَتَقَاطَعُ مَرَّةً أُخْرَى فِي مَمَرَّاتِ الْحُلْمِ، نَتَبَادَلُ الْأَحْزَانَ كَالْهَوَاءِ، ثُمَّ يَذُوبُ الْوُجُودُ. السَّمَاءُ تَتْرُكُنَا نِصْفَيْنِ، نَحْنُ وَالْفِرَاقُ.. وَاحِدٌ.