غير مصنف

مشاهير التيك توك فقاعات هواء

د. هبة العطار
من غرف البث المباشر والتريند إلى قفص الاتهام .. لم تعد الشهرة في زمن المنصات الرقمية تحتاج إلى جهد أو موهبة حقيقية، بل يكفي هاتف محمول وزاوية تصوير غريبة وبعض الفلاتر حتى يولد ما يسمى “مؤثر” أو “نجم ترند”. ومن هنا ظهر جيل جديد من مشاهير التيك توك، صعدوا بسرعة خاطفة لا بفضل الإبداع أو القيمة، بل بفضل الضوضاء. إنهم أشبه بفقاعات الهواء: ترتفع فجأة، تلمع قليلًا، ثم تنفجر بلا أثر ، فالمحتوى الرديء الذي يقدمه بعض هؤلاء المشاهير يُسوّق على أنه ترفيه، لكنه في الحقيقة يُعيد تشكيل وعي الشباب على نحو مقلق. يتحول التسلية إلى ثقافة بديلة قائمة على السطحية والاستهلاك السريع للعقول.
وقد أشار (غريفيثس) إلى أن الإفراط في استهلاك هذا النوع من المحتوى الرقمي يُضعف القدرات النقدية للشباب، ويقلل من مهارات التواصل الواقعي، ويخلق حالة من الإدمان تُقزّم طموحاتهم إلى مجرد الحصول على “إعجاب” عابر.
الشهرة التي تأتي بلا جهد حقيقي تشبه الرغوة على سطح كوب غازي ترتفع فجأة لكنها تهبط سريعًا تاركة أثرًا لزجًا على أرضية المجتمع ، وما نراه اليوم من ملاحقات قانونية لبعض “المشاهير” خير شاهد على أن الترند لا يحمي صاحبه، بل ربما يقوده من غرفة البث المباشر إلى قفص الاتهام.
المفارقة المؤلمة أن المرأة تحولت في هذا العالم إلى أداة للاستعراض والابتذال أكثر من كونها عقلًا مبدعًا أو فكرًا منتجًا. فالجسد أصبح الإعلان الممول الأسرع للشهرة، حتى لو انتهى الأمر بسمعة مشوهة أو مساءلة قانونية. وقد أوضحت فريدريكسون وروبرتس في نظريتهما حول “تسليع الجسد” أن هذا النمط يعزز ثقافة تضعف صورة المرأة أمام ذاتها وأمام الأجيال الصاعدة، وتختزل قيمتها في أرقام المشاهدات.
في الوقت الذي تُنفق فيه الدول ملايين لبناء وعي الأجيال الجديدة، يظهر مؤثر على تيك توك قادر في ستين ثانية أن يهدم ما بُني على مدار سنوات. والأنكى أن من لا يملك من الثقافة سوى “حركات شفاه” أصبح أكثر تأثيرًا من أساتذة جامعات وكتّاب ومفكرين. إنها كوميديا سوداء تُضحك وتبكي في آن واحد، حيث يلهث الشباب وراء فقاعات يظنونها لآلئ، وهي في الحقيقة لا تعدو الا ان تكون خواء اجرد
مشاهير التيك توك ليسوا سوى ومضات واهية تحمل من الانطفاء ما يأكل وميضها سريعا .. تبهرك لحظة ثم تختفي، لكن أثرها في عقول الشباب قد يظل طويلًا. وإذا تركنا هذه الفقاعات تقود المشهد الثقافي، فسنجد أنفسنا أمام جيل يبحث عن قيمته في ترند مؤقت بدل أن يصنع مجدًا حقيقيًا.
الثقافة لا تُبنى باللايك والشير، ولا ينهض مجتمع على الابتذال والسطحية، بل بالوعي والمعرفة والإبداع. والسؤال الذي يجب أن نطرحه اليوم: هل نترك أبناءنا ضحايا للترندات الزائفة، أم نمنحهم أدوات لصناعة واقع أعمق وأكثر إنسانية ومسؤولية ونفعا لمستقبلهم وأطانهم فى شتى مجالات العلم ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى