د. فيروز الولي تكتب:”دفء الدبلوماسية”.. حين تحولت الخارجية اليمنية إلى سبا عائلي

في دول العالم المتحضر، تُعرف وزارة الخارجية بأنها واجهة الدولة، مرآتها اللامعة، لسانها في المحافل الدولية. أما في اليمن، فخلال فترة “الدفء الدبلوماسي” التي قادها الوزير الأسبق د. أبو بكر القربي، تحولت الخارجية من وزارة سيادية… إلى “سوبرماركت” عائلي بامتياز. ليس فقط للتعيينات والموازنات، بل للعقارات والمنح والعلاقات العائلية من نيويورك إلى أوتاوا.
“دبلوماسية الأسرة الممتدة”.. أول وزارة تُدار بـ”التوريث الناعم”
بحسب تسريبات نشرها موقع “يمن برس”، فقد تم تعيين السيد عبد الله الجبوبي – أحد المقربين من الوزير – في أكثر من منصب دبلوماسي حساس، على طريقة “الكومبو السياسي”. لا مؤهلات؟ لا خبرة؟ لا بأس، يكفي أن تكون قريباً… أو شبه قريب. ولضمان الراحة النفسية في الغربة، تم توظيف عدد من أقاربه في بعثات مثل نيويورك، الرياض، الديوان العام. بعثات استراتيجية… للأسرة طبعًا.
يمن برس – تقرير تسريبي عن التعيينات في الخارجية
“دفء الدبلوماسيين”.. التدفئة المركزية في صنعاء الحارة!
دعونا نحكي عن قصة نجاح غير مسبوقة في هندسة الفواتير. هل تعلم أن هناك 120,000 دولار أمريكي صُرفت سنويًا تحت بند “تدفئة دبلوماسيين”؟ نعم، هذا ما كشفته تقارير رقابية مسربة. المشكلة؟ أن هذه الفواتير تُضاف لسفارات في دول حارة، لا تشهد بردًا حتى في الشتاء (نعم، نتحدث عن الخليج). فهل كنا ندفّئ الموظفين أم نبرّد الحسابات البنكية؟
المصدر: تقرير مسرّب من جهاز الرقابة والمحاسبة – 2023
من الخارجية إلى أوتاوا: دبلوماسية القصور
أظهرت وثائق (تم تهريبها بطريقة تشبه أفلام الجاسوسية) أن مسؤولين في الخارجية – في فترة الوزير القربي – كانوا مشغولين أكثر بشراء قصور في كندا. أحد الأمثلة هو عقار في أوتاوا تجاوزت قيمته 2 مليون دولار، تم تسجيله باسم أحد أفراد العائلة الدبلوماسية. الآن فهمنا معنى “التمثيل القنصلي”… كان تمثيلًا عقاريًا خالصًا!
المصدر: مراسلات داخلية حصل عليها يمن برس، وتقارير منشورة عام 2024
: علم مقابل عمولة
منحة؟ تريد ابتعاثًا؟ سهل جدًا… فقط ادفع “عمولة الترشيح”، وهي عبارة عن مبلغ غير رسمي (لكنه معروف في الدوائر الداخلية)، يدفعه الموظف للحصول على مقعد دراسي خارجي. أحد الموظفين صرّح – تحت غطاء الظلام – أنه دُفع عليه 5,000 دولار للحصول على بعثة باسم “تبادل ثقافي”، بينما كل ما تبادله كان رقم حساب بنكي.
شهادات موظفين نشرت في تقرير استقصائي محلي – يمن برس 2024
وزارة الخارجية في مرمى المحاسبة
في عام 2023، نشر جهاز الرقابة والمحاسبة (COCA) تقريرًا رسميًا كاد أن يكون رواية بوليسية، كشف فيه أن وزارة الخارجية مسؤولة عن فساد يُقدّر بـ2.2 مليار دولار. المدهش؟ أن المبلغ يتوافق تمامًا مع التعليمات الرئاسية لتسريع التحقيق.
وفي يناير 2025، أعلن المجلس الرئاسي إطلاق تحقيقات موسعة شملت 20 قضية فساد، بينها الخارجية. ويبدو أن “دفء الدبلوماسيين” بدأ يتحول إلى سخونة قضائية.
هل هذه وزارة خارجية أم “فرع عائلي”؟
في النهاية، ما نراه ليس مجرد سوء إدارة، بل هو نظام محكم قائم على المحسوبية، والتعيين حسب القرابة، والموازنات المعدّلة حسب درجة الحرارة الوهمية في السفارات. إنها ليست وزارة.. بل “سبا دبلوماسي” فاخر للعائلة والمقربين.
ما بين فواتير التدفئة الزائفة، والمناصب الأسرية المتعددة، والقصور الكندية، والابتعاثات المدفوعة، يصبح من حقنا أن نسأل:
هل كانت وزارة الخارجية اليمنية تمثل اليمن في الخارج؟ أم تمثل الخارج داخل اليمن؟
خاتمة
نحن لا نطالب بالعقاب الفوري أو السجن المؤبد… بل نقترح خطوة أبسط:
> أعيدوا الوزارة إلى وظيفتها الأصلية، وأعيدوا “سبا الدبلوماسيين” إلى وزارة السياحة!
المراجع الرسمية:
جهاز الرقابة والمحاسبة – تقرير المراجعة الشاملة 2023
بيان المجلس الرئاسي اليمني – يناير 2025
ويكيبيديا – الفساد في اليمن
ملفات “أبو بكر القربي” في ويكيبيديا – فترات تولي الوزارة
المصادر
1. ويكيبيديا – الفساد في اليمن
2. موقع الرئاسة اليمنية – يناير 2025
3. يمن برس – تقارير وتحقيقات مسرّبة
4. جهاز الرقابة والمحاسبة (COCA) – تقارير 2023
5. مراسلات داخلية مسرّبة من سفارات (نيويورك، كندا، الخليج)