ألبس وجهَ اليتيم،…..بقلم بسام المسعودي

ألبس وجهَ اليتيم،
وجه لا يتبنّاه الحنينُ
يغرق في الفراغ كقاربٍ بلا مجداف،
يصيرُ مرايا منسية
لا يمرّ به أحدٌ سوى الغياب.
أنا المُثقَل بشامات الحرب،
جسدٌ تلفّظه السماءُ حين ضاقت بالملائكة،
فهبط بي الخوفُ
إلى أرضٍ لا تحفظ آثار أقدامي،
ولا تعرف اسمي.
أتّكئ على جبلٍ التهمته الذاكرة،
جبلٌ كان أبي يسند ظهره إليه
حين يقول: “الريح لا تهزم من صلّى في قلبه.”
وأشمّ رائحة البن لا كي أفيق،
بل لأطمئن أن الأمس لم يكن وهماً
وأنّ اليقين لم يُغسل من أعين أمي بماء العدم.
أنا الغريبُ الذي تهجّر من رائحته،
المنفيّ من عتبة بيتٍ
كان الحنين فيه يُوزَّع في فناجين الفجر.
اتساءل:
لماذا دفنتُ أناشيد الأمهات
التي كانت تنبع من بين الرضّاعات والرصاص؟
لِمَ أوثقتُ الطريق على خاصرة الناي،
وتركتُ مواويل الليل تتدلّى
كثيابٍ لم تُغسل من دمها؟
لا أدري…
هل كنت أصلّي؟
أم أحاول فقط أن أُقنع النجاة
أنها لا تزال تشبهني… ولو قليلًا؟
يا الله،
يدي ممدودةٌ كظلٍّ فقد جسده،
ككفٍّ نُزِع عنها كتف الدعاء،
يدي التي كانت تمسك بكفّ أبي
حين كان الضوءُ يمشي على عينيه،
قبل أن يموت الفجر فيه
ويتركني أتعثر بالنور كلما نادى أحدٌ اسمه.
أما أمي…
كانت تقلب قِدرها الطينيّ
كأنها تقرأ فيه بشارات الأنبياء:
“هذا ماؤنا…
وهذا ملحُ حنيننا…
وهذا الجوع، طفلُنا الذي لا ينمو،
لأنّ الحرب ترضعه من ثدي الرماد.”
يا الله،
هذه البلاد التي كانت تفوح كبنٍّ مسحور
في مطبخٍ من الطين والدعاء،
تحوّلت إلى مقهى للجنائز،
نحتسي فيه المرّ بلا سُكّر،
ونكابر،
نحشو الأيام بكلماتٍ لا تقول شيئًا،
لأنّ كل شيءٍ صار يصرخ
حتى الصمت لم يعد يقدر على حياكة سترةٍ واحدةٍ للمعنى.
الويل صار خبزًا،
الصبر حكايةٌ تروى في آخر الليل
ثم تنام جائعة،
ونوافذ الحلم…
أصبحت ألواحًا لأسماء موتانا،
نُردّدها كل فجر،
ولا ندري
هل نصلّي حقًا،
أم نحصي عدد من تبقّى منّا حيًا.