د. فيروزالولي تكتب:شركاء في الفساد.. لكن بالطوابير!”

في اليمن، لا تحتاج إلى عدسة مكبرة لتكتشف الفساد. هو الهواء الذي نتنفسه، والظلمة التي نعيش فيها، والخبز الذي لا نجده، والغاز الذي ننتظره، والدواء الذي لم نعد نحلم به.
لكن المضحك المبكي أن الفاسدين ما زالوا أحرارًا، يسرحون ويمرحون، بينما الشعب ـ الضحية المفترضة ـ يقف في الطوابير، يغني للكرامة، ويموت مقهورًا!
نعم، هناك من يسرق، وهناك من ينهب، وهناك من يصادر مستقبل وطن بأكمله، لكن الأعجب أن هناك من يصفق، ويطبل، ويدافع، ويقول لك بثقة:
“مش وقته الآن.. خلونا نركز على العدو الخارجي!”
وإذا سألته: من العدو؟
قال لك: “حسب الأقرب من مذهبك أو حزبك أو جماعتك!”
سيدي المواطن الكريم، اسمح لي أن أطرح عليك سؤالًا بسيطًا:
من الذي سرق المال العام؟ من الذي نهب موارد البلد؟ من الذي باع القرار السياسي؟
هل كان هذا “العدو الخارجي” هو من عيّن الفاسدين؟ أم هو الذي شرعن لهم السرقة باسم الثورة، أو الدين، أو السيادة، أو الكرامة؟
الواقع أن الفاسدين ليسوا مجرد عصابة في القصر، بل منظومة مترابطة من مسؤول، وتاجر، وناشط، ومواطن “شريك” إما بالصمت أو بالتطبيل، وكلهم يتقاسمون الغنيمة، بينما يتقاسم البقية الطوابير والحسرات.
نعيش اليوم مفارقة عظيمة:
شعب يموت على قارعة الطريق، من الجوع أو القهر، ثم يقول لك بفخر:
“أهم شيء ما نحاربش جماعتنا، لأنه معهم مشروع!”
مشروع ماذا؟
مشروع إفلاسك؟ مشروع إذلالك؟ مشروع تحويلك إلى كائن طابوري دائم، يجيد فن الانتظار والموت البطيء؟
الخط الأحمر الحقيقي في اليمن لم يعد السيادة ولا الوحدة ولا الثورة…
بل هو: “لا تقترب من الفاسدين”!
اقترب، وستجد نفسك متهمًا بالخيانة الوطنية، وربما بالعمالة، أو حتى بالكفر!
بينما رفع السلاح ضد الأخ، وقتل الجار، ونشر الفوضى، وانهيار الخدمات…
كلها أمور “قابلة للنقاش”.
أما أن تطالب بمحاكمة فاسد؟ فهذه جريمة لا تُغتفر.
يا سادة، التغيير لا يأتي من فوهة البندقية، بل من فوهة الضمير.
والحرية لا تُهدى، بل تُنتزع.
وحياة كريمة لا يصنعها الصراخ في الشوارع، بل الوعي في العقول، والرفض في القلوب، والضغط الشعبي الحقيقي على منظومة الفساد كلها… لا على طرف دون آخر.
ختامًا، أيها المواطن المحترم:
الموت بكرامة ـ كما تقول ـ أفضل من الموت مقهورًا.
لكن قبل أن تموت، فقط جرب أن تقول:
“كفى… لن أكون شريكًا في فسادكم بعد اليوم.”
ثم انتظر النتيجة… وسترى من العدو الحقيقي.