رؤي ومقالات

د. فيروزالولي تكتب: لمبة وسفير وكيبل من طهران!

في زمن تفككت فيه خرائط الولاء، واختلطت فيه أسلاك الدبلوماسية بأسلاك الكهرباء، تطل علينا بيروت — لا من باب الشعر والغناء، بل من نافذة “الكابلات” الإيرانية! قصة جديدة من مسرح عبث “الشرعية”، وسفير لا يملك كهرباء… لكنه يملك دهاء كافياً ليشحن حسابه الشخصي بـ100 ألف دولار، ويشحن سفارته من جاره الإيراني.

نعم، المشهد حقيقي:
سفير الجمهورية اليمنية في بيروت، يستورد الكهرباء من السفارة الإيرانية، ويحوّل الرواتب إلى حسابه في القاهرة، ويعيش على ميزانية السفارة كما لو كانت راتبه الشخصي.

مشهد أول: تحويلة على القاهرة

البداية ليست من بيروت، بل من مذكرة رسمية أُرسلت من السفارة اليمنية إلى أحد البنوك، تطلب تحويل مبلغ 100,000 دولار إلى حساب السفير “الدعيس” في مصر.
لكن، لحظة… لماذا مصر؟
لأن حضرة السفير قرر أن يتقاضى راتبه من لبنان ويُحوِّله إلى “التجمع الخامس” مباشرة. فهو لا يثق على ما يبدو بـ”أمان” المصارف اللبنانية، ولا بـ”شفافية” النفقات اليمنية.
هذا المبلغ ليس فسادًا مباشرًا… بل هو رواتب متراكمة للسفير، تُصرف له دفعة واحدة — على حساب دولة بالكاد تصرف معاشات الجنود!

والسؤال هنا ليس عن التحويل، بل عن المنطق:
هل من المقبول أن يُحوّل سفير دولة مفلسة رواتبه إلى الخارج بهذا الشكل الفج، بينما تعجز سفارات يمنية أخرى حتى عن دفع إيجار مكاتبها؟

مشهد ثانٍ: مولدات بيروت… أم كيبل طهران؟

حين انقطعت الكهرباء في سفارة اليمن، لم يتحرك السفير نحو شراء مولد، رغم أن مولدين كهربائيين فعليين موجودان بجوار المبنى، بل قرر — بكل جرأة إقليمية — أن يمدّ كيبل من السفارة الإيرانية المجاورة.
نعم، كهرباء الجمهورية الإسلامية صارت خط تغذية لسفارة الجمهورية اليمنية “الشرعية”.

تحت أي بند يأتي هذا التصرف؟

بند “التوفير في الميزانية”؟

بند “الدبلوماسية المشتركة”؟

أم بند “مرونة الولاء حسب التيار”؟

السفير برّر فعلته بأنه أراد “توفير نفقات الوزارة” عبر تجنّب شراء المحوّل اللازم لتشغيل المولدات، رغم أن المولدات موجودة فعليًا!
فهل هذه عبقرية مالية؟ أم “سلوك فردي” ينتهك البروتوكولات السيادية تحت غطاء الاجتهاد الإداري؟

مشهد ثالث: راتب 1700 دولار و”عيشة خمس نجوم”

السفير يتقاضى 1700 دولار شهريًا… رقم لا يكفي في بيروت لدفع اشتراك مولد، أو شراء قهوة وسندويشة على الكورنيش.
لكنه، رغم ذلك، يعيش في العاصمة الأغلى عربيًا مع أسرته، براحة تامة، ومكيفات تعمل بلا انقطاع، و”راوتر” لا يعرف التقطيع.

كيف؟
الجواب ببساطة:
يعيش على النفقات التشغيلية للسفارة.

نعم، تلك الميزانية المخصصة لتسيير الأعمال، ودفع الفواتير، وصيانة المبنى، صارت ميزانية رفاهية شخصية.
ومنها يموّل معيشته، ومنها ينجز مشاريعه، ومنها — ربما — يفكر بشراء مولد ثالث… أو شقة جديدة في القاهرة.

ولمن لا يعرف، فالسفير يملك عمارة في التجمع الخامس، واحدة من أغلى المناطق السكنية في مصر.
هل اشتراها براتب الـ1700 دولار؟
أم من فتات الـ100 ألف دولار المحوَّلة كل فترة؟
أم من أرباح “الكابل الإيراني”؟

مشهد رابع: سفارة مغلقة… ومهام تطوعية

مبنى السفارة اليمنية في بيروت ليس شقة مستأجرة، بل عمارة من ثلاث طوابق!
لكن رغم المساحة، الباب مغلق دائمًا، والمراجعين يعودون خائبين.
أحيانًا، تجد طالبًا يمنيًا ينجز معاملات بدلًا عن الموظفين.
مقابل ماذا؟
مقابل لا شيء تقريبًا… ربما شكر من السفير، أو وعد “بفرصة عمل” بعد التحرير.

هؤلاء الطلاب الذين نزحوا من الحرب، صاروا يؤدّون “مهام دبلوماسية” في الظل، بينما السفير يراقب “مؤشر الأمبيرات” على شاشة هاتفه، ويحسب فواتير الكهرباء بين “الجهد الإيراني” و”الصرف العربي”.

مشهد أخير: “الجمهورية السفارية المتحدة”

حين يتحوّل العمل الدبلوماسي إلى شركة عائلية، وحين يصبح الكيبل الإيراني أقوى من الدعم الخليجي، وحين تُدار السفارة وكأنها شقة مفروشة بنظام Airbnb،
فمن حقّنا أن نعلن تأسيس كيان جديد:

الجمهورية السفارية المتحدة

عاصمتها بيروت
كهرباؤها من طهران
ميزانيتها تُحوَّل إلى القاهرة
وموظفوها طلاب متطوّعون
وسفيرها مرتاح… يتوسد الكيبل وينام

سؤال للضمير (إن تبقّى):

هل تعلم الحكومة اليمنية الشرعية بهذا الكيبل؟

وهل يعلم التحالف أن سفيرًا من “الصفّ الشرعي” يتغذى كهربائيًا من جاره الإيراني؟

وهل باتت علاقات الدول تُدار عبر كابلات خلف الجدار، لا عبر رسائل رسمية؟

في زمن انقطعت فيه الكهرباء، وانقطع معه الحسّ الوطني، بات السلك الدبلوماسي بحاجة إلى سلك شاحن للضمير…
فلا يعقل أن نستضيء بالتحالف نهارًا، وبالكهرباء الإيرانية ليلًا… ونُحوّل الرواتب إلى القاهرة بين كل “تعتيم” وآخر!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى