
عزيزي الكاتب والشاعر، عزيزتي الكاتبة والشاعرة،
في الشعر والنثر والأدب على حدٍّ سواء، لا يُقاس النص بمدى حجمه طويلًا أو قصيرًا، بل بمدى عمقه، وصدقه، وقدرته على الإيحاء والتأثير.
فالكلمة نبض داخلي ووعي متوهّج، وانحياز للجمال وللحقيقة، وليست مجرد زخرفة لغوية.
ليس المهم أن تكتب كثيرًا، إنما الأهم أن تقول شيئًا لا يُنسى، ولو بكلمة واحدة.
فالنص العظيم لا يُقاس بعدد سطوره، بل بمدى قدرته على البقاء في الذاكرة، بمدى رزانته، وكثيرًا ما يُنظر للنص القصير الرزين أفضل من الكبير الهش، لأن الصغير صادق الإحساس، بينما الكبير كلمات مرصوصة لا خير فيها.
أيضًا الروح، وهي أساس النص، وهذا العنصر لا يستطيع أن يبعثه في النص إلا إنسان له مشاعر وأحاسيس، يستطيع أن يتلاعب بالحروف بما يلامس مشاعر القارئ. فالنص الذي يخرج منه القارئ دون أن يجد نفسه في مقطوعة أو بيت منه، ليس نصًا.
زخرفة الحروف والتكلّف برونق الكلمات، كالاستعانة بمحركات الذكاء الاصطناعي، لا يصنع نصًا مطلقًا، بقدر ما يصنع كلمات مبعثرة خالية من ذاتها، ومستخدمة بشكل لا يمتّ للأدب بصلة. فالأدب الحقيقي روح وتجربةُ حياة، تُسكب في النص بصدقٍ لا يُزيّف، وإحساسٍ لا يُزاحف.
والكاتب الصادق هو من يكتب ليُحدث أثرًا… ليمسّ قلبًا… ليفتح نافذة في روح القارئ يرى منها ذاته أو خلاصه أو ألمه.
وحين يغيب هذا الصدق، يتحوّل النص إلى جسد بلا نبض، يُرى ولا يُحَسّ، يُقرأ ولا يُعاش.
اكتب، لكن لا تكتب لتملأ السطور… اكتب لتلمس الضمير.
وإذا أردت أن تصبح كاتبًا متميزًا، فأنت بحاجة إلى ثلاثة أعمدة أساسية: القراءة، والممارسة، والصدق.
اقرأ كثيرًا وبوعي
اقرأ في الأدب، الفلسفة، التاريخ، الشعر، والنقد، وقارن بين هذا الكاتب وذاك، وأسلوب كل واحد منهم، لتكسب ثراء لغوي، وتتأمل الأسلوب، والمعاني، وكيفية بناء النصوص.
اكتب كل يوم
اكتب يوميًا، ولا تنشر كل ما تكتبه حتى تتأكد من أنه يخلو من الأخطاء، ولا ضير في أن تستشير من هو أفهم منك وأكبر منك، واكتب حتى في غياب المزاج، فالتميّز يأتي من تراكم المحاولات.
ابدأ من صدقك
اكتب عن مشاعرك، تجاربك، أو رؤيتك للعالم. لا تقلّد، لا تتكلّف، ولا تكتب لتُعجب أحدًا. القارئ يشعر بالكذب كما يشعر بالصدق.
تعلم من النقد البنّاء
اعرض كتاباتك على من يثقون بفكرك، لا مجامليك. واسمع نقدهم بوعي، لا بحساسية.
طور أدواتك اللغوية
يجب أن تُلمّ بعلوم اللغة: النحو، البلاغة، وتعلّم الإيجاز والتكثيف، ولو نسبيًا، فهما روح الكتابة المؤثرة.
كون لك صوتًا خاصًا
في بدايتك لا ضير أن تقلّد شخصًا أو نصًا، ولكن احذر من أن تستمر في التقليد، فتصبح نسخة من غيرك. فاحرص على ألّا تكن نسخة من أحد، واجعل صوتك هو بصمتك، وهو ما سيجعلك مميزًا فيما تكتب.
تقبّل الفشل والركاكة في البداية
النصوص العظيمة تبدأ كمسودات خجولة، فلا تخف من البدايات. فأنا عن نفسي، حينما أعود لبداياتي، أحرج من قراءتها، وأكاد لا أصدق نفسي بأنني كنت أرتكب كل تلك المجازر بحق اللغة والأدب، ولكني لم أستسلم حتى صرت ما أنا عليه اليوم.
وأخيرًا، بعد أن تتمكّن، وهنا أقصد النصوص المميزة، فليس ضروريًا أن تكتب بشكل يومي بنفس الحافز والحماس. فاللحظة الشعرية والأدبية ساعة تأتي ولا تعود في نفس الزخم، فلا تتهاون معها، وإن أتتك وأنت على وشك النوم، فعليك أن تكتب الفكرة، لأن الفكرة تضيع من بالك بعد النوم. وإذا أردت نصًا رزينًا، عليك باقتناص اللحظة الشعرية دون أن تُقحم نفسك في الكتابة مكرهًا، فكل كاتب يمرّ بفترات لا يستطيع أن يكتب فيها حرفًا واحدًا.