كتاب وشعراء

“مرايا الآه الممزقة والمرمّمة” للشاعرة: ريم النقري، بقلم:الأستاذ الشاعر والناقد مراد اللحياني

“مرايا الآه الممزقة والمرمّمة”
قراءة عاشقة في قصيدة:
“أرمم مرايا الآآآآآآآآه”
للشاعرة: ريم النقري
بقلم الأستاذ الشاعر والناقد
مراد اللحياني

في نصّ ريم النقري نغوص في تيار لا ينقطع من الصوت والجسد والذاكرة والخيال، حيث الأنثى تتعلم أن تصنع من كل لحظة جسدًا وروحًا متوحدين، تصنع من الحزن حركة ومن البحة نغمة، من الصراخ صمتًا، ومن الغصّة ترنيمة على حبال الزمن، وكل لحظة “وماذا” تتكشف فيها عوالم داخلية، كأنها مرايا متعددة الأوجه، كل وجه يكشف عمقًا جديدًا للوجود، لكل صمت نغمة، لكل خفقة قلب تناغم، لكل حركة جسدية طقس شعري، وكل تجربة تؤكد قدرة الأنثى على الصمود، على إعادة تركيب الانكسار، على تدريب الذات على أن تصمد في مواجهة كل ما يمزقها من الداخل والخارج.

الرقص في النص ليس مجرد حركة جسدية، بل هو مأتم وفرح متشابكان، خلخال الطرب يهتز بينما ورود الموسيقى تُغتال، الأرض تدور والخصر يهتز على وقع الصدمات، كل خطوة إعلان وجود، كل حركة جسدية رمز للانكسار والبقاء، للفقد والبهجة، لكل خفقة قلب صدى مزدوج من الألم والفرح، كل لحظة جسدية تحمل عبء الماضي وآمال المستقبل، كل نبضة ترتجف بين الصمت والصراخ، بين الذكرى والخيال، بين الواقع والمستحيل، كل خيال يصبح مساحة لتجربة الحرية الداخلية، والمجاز يصبح لغة الكائن، واللغة نفسها تصبح مرآة للروح، كأن النص كله رقصة مستمرة على بلاط الكون، رقصة تصمد أمام كل فقد وكل قيود، رقصة تعيد بناء المكسور في كل مرة.

الذاكرة العائلية، الأم والجدّة، الحرير والصوف والدانتيل، كل غرزة تحمل طقوس الرحيل، كل قطعة نسيج توقيع على وجع النساء، كل تعليم يحمل رمزية الصبر والصمود، كل مهارة تُكتسب لتصبح أداة للعيش والموت معًا، الطقوس تتحول إلى تدريب داخلي على مواجهة العالم، على المقاومة، على القدرة على تحويل الفقد إلى جسر، على إعادة صياغة الحياة في ضوء الانكسار، على الاحتفاء بالصبر وبالفن والحب، كل لحظة في الماضي تصبح درسًا في الحاضر، وكل درس يصبح رمزًا للحرية والصمود، لكل ألم معنى مزدوج، لكل فرح حضور مشبع بالخيال، لكل غياب حضور مخفي.

الكعب العالي يصبح شارعًا بديلًا، الشعر يصبح كعبًا، الحدس يصبح طريقة للمشي في العالم حين تختفي الطرق، كل خطوة على البلاط تحمل معنى مزدوج: بهجة ومأساة، حضور وانكسار، صمت وصراخ، كل انتعال تحريك للخيال، كل حركة جسدية إعلان مقاومة، كل مشية نقش على الزمن، كل خفقة قلب رقصة على بلاط الكون، كل لحظة جسدية مغناطيس للذاكرة، لكل حركة رمزية، لكل رمزية طاقة شعرية تتدفق في النص، كل لحظة تدريب للأنوثة، كل حركة جسدية تدريب للروح، كل خطوة تعلم على أن تصمد الأنثى في مواجهة الحياة والمجتمع والذات والزمان.

السباحة تصبح تجربة ميتافيزيقية، كل غطسة في بحر الأحلام غوص في الذات، مواجهة للقيود، مواجهة للرغبات، مواجهة للخيبات، للمجهول، للدهشة، للحرية الداخلية، كل حركة في الماء تدريب على الانصهار مع العالم، كل ابتعاد عن الشاطئ محاولة لإعادة اكتشاف الذات، كل لحظة ترطيب للروح، كل لحظة شعور بالماء ترسيخ لتوازن بين الامتثال للعادة والتحرر الداخلي، الماء يصبح رمزًا للحرية، للدهشة، للغرق في الحلم والخيال.

ركوب الخيل رمز للحرية المقيدة بالخجل، تتحول إلى خيال يُركب في براري اليقظة، الحلم يصبح تدريبًا على التحرر الداخلي، على مواجهة القيود الاجتماعية، على تجربة الطيران في داخل النفس، الخيال يصبح فضاءً للتمارين الروحية، لحركة الجسد الداخلية، لتوازن النفس، كل حلم داخلي تدريب على التحرر، على مواجهة العادات، على ممارسة الحرية بطريقة صامتة، على القدرة على أن يكون الجسد والفكر والروح واحدًا، كل لحظة على ظهر الخيل تدفق للخيال، كل خطوة خيال.

اليد التي صقلت على السلام تحرس الرحيل، كل تحية تحمل خوفًا من زلة، كل حركة يد هي توازن بين القوة والرقة، الثقة والخوف، الحضور والفقد، كل إيماءة تحمل رمزية مزدوجة، كل حركة سلام انعكاس لكل التجارب السابقة والمستقبلية، كل لحظة تعلم على ضبط النفس، كل حركة تعلم على القدرة على التحمل، كل لحظة تحريك للسلام تدريب على مواجهة الرحيل، على مواجهة الغياب، على مواجهة الذات في انعكاسها النهائي.

التصوير يصبح حبًا، محاولة لتجميل العالم، لتسجيله، لتحويله إلى تجربة إبداعية، كل صورة تحكي حكاية، كل لحظة تُلتقط تصبح رمزًا، لكن العدسة تتحطم أمام عجزها عن تزيين ضمير العالم، كل كسر رمز للفشل الإبداعي، كل محاولة لها حدودها، كل صورة انعكاس للعالم، كل فشل فيها انعكاس للواقع، كل حكاية تصور الألم والدهشة، تكشف عن حدود القدرة على التحكم في الحقيقة، تكشف عن عمق التجربة الإنسانية، عن صلابة الروح وقدرتها على التعلم والمقاومة، عن مرايا الآه المكسورة التي تُرمّم كي لا ينكسر الكائن، عن كل لحظة حياة يُعاد صياغتها كي تصمد.

في النهاية، كل شيء يعود إلى ذاته، “أرمم مرايا الآآآآآآآآه كي لا أنكسر”. كل مرايا مكسورة تُرمّم، كل آه يصبح مرآة، كل غصّة تصبح صوتًا داخليًا، كل تجربة جسدية أو عقلية أو روحية تصبح حجرًا في بناء الذات، كل لحظة انكسار تُعاد صياغتها، كل محاولة للحياة تُحافظ على وحدة الكائن، على صموده، على إبداعه في مواجهة الفقد، في مواجهة قيود الزمن والمجتمع، على قدرة الروح على الصمود، على التنفس، على الحب، على المقاومة، على القدرة على أن يكون الكائن حاضرًا في كل تجربة، في كل حركة، في كل آه، في كل مرايا مكسورة ومرممة، نصّ واحد، نصّ متدفق بلا توقف، بلا فواصل، بلا حدود، كالنهر الذي يمر فوق كل شيء، يحمل كل الصور، الرموز، العواطف، الموسيقى، الانكسارات، الوهج، ويترك القارئ محلقًا في الهواء، يمشي بكعب الشعر العالي في عالم لا ينهار، في مرايا الآه الممزقة والمرمّمة، حيث كل شيء حيّ، حاضر، خالد، كل لحظة تجربة، كل حركة جسدية، كل حلم، كل صمت، كل صرخة، كل غصّة، كل صورة، كل مرايا تُرمّم، كل آه حيّ، وكل كائن صامد، كل شيء في وحدة واحدة انسيابية، عاشقة، ممتدة، نصّ يُعاش قبل أن يُقرأ.

النص الأصلي للقصيدة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى