🌿 بين مرارة الغُربة وحلاوة اليقين ✍️ بقلم المبدعة: تغريد عبد الكريم أنعم

الغربة ليست سفرًا ولا مسافة تُقطع، بل وجعٌ يتغلغل في الضلوع، ويأسر القلب كما يأسر الليل خيوط النهار قبل انبثاق الفجر، الغُربةُ ليست أرضًا نغادرها، بل جرحًا تقيم في الضلوع، تُمسك بأطراف القلب كما يُمسك الليل بخيوط النهار قبل أن ينقطع خيط الفجر، صحراء ممتدّة بلا ظل، تمشي فيها الأرواح عطشى، تُناجي سراب الأوطان كما يُناجي الطفل حضن أمِّه.
الغُربة نخلةٌ اقتُلعت من تُربتها، فلا ماء يروي جذورَها، ولا سماء تحتضنها،أراها حزنٌ مُعلّق على جدار الروح كصورة قديمة؛ كلّما حاولت صرف النظر عنها أعادك الحنين إليها قسرًا،
بل أغنية مبتورة اللحن، تبدأ بعذوبة، ثم تُترك معلَّقة على أبواب السكون، فلا اكتمال يُبهج، ولا نهاية تُريح.
إنها اغترابُ اللسان عن لهجته، والعين عن مشاهدها، والقلب عن موطنه.
فيا غُربة، ما أشدّكِ على قلب اعتاد أن يستظل بظل وطنه! فإذا به اليوم يتفيّأ تحت غيوم الحنين وحده، ومع ذلك، ورغم أن الغربة تُثقِل القلب كجبل جاثم على الصدر، وتُذيق الروح مرارة الوحدة، إلا أنّ معية الله تُبدّد هذا الظلام؛ فهو القريب وإن ابتعدت الأوطان، وهو السند وإن خذلتنا الأرواح، وهو المؤنس إذا جفّت من حولنا الأحاديث.
الغُربة قد تسلبك وجه الوطن؛ لكنها لا تستطيع أن تسلبك يقينًا بأن الله معك؛ يُضيء لك الطريق وإن كان مظلمًا.