إلى أُمِّي ……. بقلم // سحر حسب الله عبد // العراق

إلى أُمِّي، التي عَلَّمَتْني كيف أكونُ نَهْرًا لا يُصطادُ
كانت أُمِّي تُمَشِّطُ الوقتَ بأسنانٍ مكسورة،
وتَعصرُ ضَوءَ النَّهارِ من قميصِها
لتَكوي به كسرات قلبي،
تَغسلُ وجهي بماءٍ قديمٍ
وتُرْقِدُني في حكايةٍ لم تَنْتَهِ بعد،
كانت تقول:
لا أحدَ يَنجو من النار،
لكنّ بعضَنا يتعلَّمُ أن يرقصَ فيها.
أُمِّي لا تكتبُ،
لكنها حينَ تَغضبُ تُعيدُ ترتيبَ الكون،
وتسحبُ غيمةً من السماء
لتمسحَ بها دَمعةً على خدِّ الغياب،
ثم تعتذرُ للشمسِ
لأنّها سبقتها في النور.
في صدرِها زنزانةٌ للقلق،
تُطعِمُها كلَّ مساءٍ من تَعَبِنا،
وتُغَنِّي لها حتى تنام
أُمِّي لا تنام،
هي فقط تُغلقُ عينيها
كي لا نراها تنكسر.
كانت تزرعُ الشايَ في أكوابِنا،
وتسكبُ سُكَّرَها على كآبتِنا،
تحملُ صبرَها كعُكّازٍ
وتتوكّأ علينا كي نستقيم.
سألتُها مرةً:
أما زلتِ تبكين؟
قالت: أبكي حين يضحكُ أحدُكم،
كي لا يُصابَ الفرحُ بالغُرور.

أُمِّي لا تُشبهُ الأمهاتِ في الصور،
هي ترتدي الحنينَ كجلدٍ ثانٍ،
وتحملُ قلبَها في كيسِ نايلونٍ شفاف،
تفتحُه كلما احتَجْنا،
وتخيطُه كلما انكسرنا.
حين أموت،
ستُعيدُني أُمِّي إلى الحياة
بصحنِ أرزّ
ورغيفٍ ساخن،
مخبوز على زند القصيدة
وحكايةٍ منسيّة
عن شاعرةٍ خافَت أن تكبُر،
فخبّأتْها في قلبِها.
———-
سحر حسب الله عبد
⸻