حمزه الحسن يكتب :حفلة تعذيب في الهواء الطلق

حفلة تعذيب عراقية علنية بإمتياز تجري لشعب منذ شهور في أن حرباً ستقع، اغتيالات قادمة، حصار اقتصادي، دعوات لخزن مواد غذائية، انقلاب سياسي، تغيير جذري، تم تحديد الاهداف والخ.
هذا الارهاب المفتوح والعلني لا يمكن ان يحدث لشعب في الارض ولا في دولة أخرى غير العراق ولكنه الاحتقار بكل معنى الكلمة،
أن تقول لشعب انك ستدخل حرباً في أية لحظة دون أن يعرف أين ستقع ومن هم ضحاياها في الواقع، وكيف ستقع، من الجو، البر، الاغتيالات؟
منظومة اعلامية كبيرة عراقية وعربية تشارك في حملة التعذيب والاحتقار والترهيب ومن قبل كتاب واعلاميين بصورة تلقائية وعادية كما لو انهم يناقشون اخبار الطقس وتجري النقاشات في اجواء من الفكاهة والضحك والنكات والسخرية بصورة فجة تعكس ضحالة اخلاقية نادرة. هذا حكم إعدام مؤجل لشعب.
عناوين صارخة كعناوين الافلام البوليسية ، عاصفة قريبة، نهاية دموية، عراق في مهب الريح، اقتلاع جماعات، أيام سوداء قادمة. النظام نفسه صامت. لكن من هو النظام؟
لا يوجد في العراق ” نظام” كما هو متعارف عليه في تعريف قواميس العالم للنظام ولا تتطابق مع الشكل الكشكولي المهجن مع كل قواميس الدول والقوانين في تعريف النظام: في حفظ الأمن والثروة وحياة المواطن
وتداول عادل للسلطة والسيادة والاستقلال والوحدة الترابية، ودولة مركزية تقرر شؤون الامن والاقتصاد والسياسة الخارجية،
ورفض الارتهان للخارج وتوفير العدالة والقانون وشفافية المؤسسات والمصارف والخ.
سلطة اليوم موزعة في الاطراف وفي السراديب والمكاتب السرية والسفارات وجيوش ومخابرات نصف الارض في حين يظهر قادة الدولة والسلطة في الواجهة من أجل الهيبة لا أكثر ولا أقل ولا يحق لهم اتخاذ قرارات مصيرية تتعلق بالسيادة لكنهم أحرار في قرارات محلية هامشية تعطي انطباعاً زائفاً عن ديمقراطية نخبوية تخص الفئة الحاكمة تسمى: ديمقراطية منخفضة الحدة داخل مؤسسة برلمانية شكلية مرفهة ورواتب وامتيازات أسطورية مستمرة حتى في نهاية الدورة.
كل لحظة ، كل يوم، كل ساعة، تسكب محطات التلفزة والمنابر أخباراً عن حرب ستقع في العراق ، موجة اغتيالات ، حصار اقتصادي ، تخزين مواد غذائية وغير ذلك لكن هذا في أبسط تعريف ارهاب وجريمة وقعت حرب أم لم تقع. وضع الانسان في دوامة تتعلق بمصيره ومصير أطفاله ومستقبله هو جريمة تتجاوز الارهاب الفردي الى ارهاب دولي وهذا العنف الاعلامي لا يقل خطرا عن العنف المسلح وتأثيره الصحي والنفسي شديد الخطورة.
أما انسحاب الجيش الامريكي من المنطقة الخضراء في بغداد ومن مركز السلطة الى أربيل فلا سؤال عن ماذا كان يفعل هذا الجيش منذ 2003 في قلب العاصمة؟ كما لو انه انسحاب فرقة موسيقية وليست جيشا قرب مقرات السلطة وحولها للهيمنة السياسية.
هناك من يروج لهذا الارهاب علناً تحت عناوين: ” أخبار مفرحة قريباً” صار القتل والدم واليتم والترمل والحرب أخباراً مفرحة وهذه أقذر مرحلة يصلها إنسان في الاذلال التي لو وصلها لن يميز بين الصدق والكذب وبين الاهانة والاحترام وبين الخيانة والشرف وبين العبودية والحرية، وهذه الحالة المنحرفة لا تحدث إلا بعد سنوات من الاذلال حتى يتطبع ويتحول الى ممارسة” عادية” مثل أية ظاهرة عندما تتكرر وتتسع لانه رضع العبودية مع الحليب كطائر ولد في قفص يعتبر الطيران جريمة.
أعلنت النرويج عام 1990 إنها ستعلن حرباً على التدخين عام 2000 في الأماكن العامة وعلى المواطنين تجهيز انفسهم من اليوم لتلك الحرب والاستعداد النفسي لذلك وحقبة 10 سنوات كافية للمواطن للتكيف مع حرب ضد التدخين.
في الدولة الديمقراطية لا تستطيع الدولة قطع الكهرباء فجأة أو الماء لغرض التصليح إلا بعد إشعار قبل شهور أو عام يحدد اليوم والساعة للقطع لكي يكون المواطن جاهزاً لذلك في حفظ الاطعمة والادوية والماء وليس في الترويج لحرب لا يعرف متى وكيف وأين ولماذا.
لكن الانسان العربي آلة ميكانيكية في نظر حكامه وفي نظر الدول المهيمنة وليس ضرورياً أن يعرف مصيره لأنه في كل الأحوال مستلب من الداخل وبلا حرية تقرير المصير ولا يشكل التصريح بوقوع حرب قادمة قيمة عنده لأنه سيتقبل هذه الأخبار بأريحية كتنزيلات سلعية أو نشرة أنباء الطقس وسيختلف حولها بين مرحب ورافض وخائف وغير معني لأنه مدمن على هذا النوع من التعذيب الذي صار من التقاليد الوطنية العريقة بل من علامات الصلابة النفسية التي يتمتع بها الموتى.