خارطة من عظام…بقلم سعيد زعلوك

في العتمةِ،
تتكوَّرُ خارطةٌ من عظامْ،
كأنَّ الأرضَ رسمتْ نفسَها
بهَيكلٍ مكسورٍ،
ونايٍ مُرتَجَفٍ
يُطلِقُ أنينًا من بينِ الأضلاعْ.
الليلُ يَسقي حجارتَها صمتًا،
والجوعُ يُطيلُ حوارَهُ مع الترابْ،
حتى تصيرَ الحفرةُ سِرًّا،
ويصيرَ الجسدُ
حرفًا غامضًا
على جدارِ الظلامْ.
كلُّ ضلعٍ جرسٌ،
كلُّ كسرٍ شُعلةٌ،
كلُّ عظمٍ طائرٌ أبيضٌ
يحاولُ أن يكتبَ اسمًا
ثم يذوبُ في الزحامْ.
هنا، حيثُ جوعُ الصغارْ
يُصافحُ حدَّ الحصارْ،
وحيثُ العيونُ تُفتّشُ عن قَطرةِ ضوءٍ،
فلا غيرَ ليلٍ طويلٍ
يُغشّي خطى الأيامْ.
فلسطينُ…
يا صدرَ هذا الوجودْ،
أما آنَ أن ينكسرَ القيدُ عنكِ؟
أما آنَ أن يورقَ الفجرُ
من بينِ أضلاعِ الركامْ؟
لن نموتْ،
وإن أوصدوا كلَّ بابْ،
ففي كلِّ عَظمٍ نداءٌ،
وفي كلِّ جرحٍ جوابْ،
نخطّ على جُدرانكِ، يا أرضُ:
“نحنُ الحياةُ،
ولو كانَ جسدُكِ… كفنًا من عظامْ.”
وفيكِ — يا خارطةً من عظامْ —
يبقى النداءُ صدىً لا ينامْ،
والقبرُ ليسَ انتهاءً، بل انبعاثًا،
والعتمةُ تنحني،
ليولدَ فجرٌ
من قلبِ الظلامْ.