طب ودواء

د.محمود يونس يكتب: الفيبروميالجيا

الفيبروميالجيا ليست مجرد آلام متفرقة في أنحاء الجسد، بل هي لوحة معقدة من الألم المزمن، والإرهاق، واضطراب النوم. كثيرون يظنونها مرضًا غامضًا، وبعضهم يصفها بأنها “وجع بلا سبب”، لكن الحقيقة العلمية أن الفيبروميالجيا حالة مرضية معترف بها طبيًا، تعكس خللاً في طريقة معالجة الدماغ لإشارات الألم.
ما هي الفيبروميالجيا؟
هي متلازمة تتميز بألم عضلي هيكلي منتشر، يصاحبه تعب شديد، صعوبة في النوم، واضطرابات معرفية تعرف بـ “ضباب الدماغ”. غالبًا ما تصيب النساء أكثر من الرجال، وتظهر في منتصف العمر، لكنها قد تطال أي فئة عمرية.
الأعراض
ألم واسع الانتشار في العضلات والمفاصل يستمر لأكثر من 3 أشهر.
إرهاق مزمن لا يتحسن بالراحة.
اضطرابات النوم (أرق أو نوم غير مريح).
صعوبة في التركيز والتذكر (ضباب الدماغ).
صداع متكرر، قولون عصبي، وخفقان أحيانًا.

الأسباب
لا يوجد سبب واحد واضح، لكن الدراسات تشير إلى:
اضطراب الجهاز العصبي المركزي: حيث يصبح الدماغ أكثر حساسية لإشارات الألم (Central sensitization).
العوامل الوراثية: وجود تاريخ عائلي يزيد القابلية للإصابة.
الضغوط النفسية والصدمات: سواء كانت جسدية أو عاطفية.
اضطراب الناقلات العصبية: مثل السيروتونين والدوبامين.
التشخيص
لا يوجد تحليل دم أو أشعة يثبت الفيبروميالجيا بشكل قاطع. يعتمد التشخيص على:
استبعاد الأمراض الأخرى مثل الروماتويد أو الذئبة.
وجود ألم منتشر في أربع مناطق أو أكثر مع استمرار الأعراض لثلاثة أشهر على الأقل.

العلاج
لا يوجد علاج شافٍ نهائي، لكن هناك طرق للتحكم بالأعراض وتحسين نوعية الحياة:
1. الأدوية: مثل مضادات الاكتئاب (duloxetine) ومضادات التشنج العصبي (pregabalin).
2. العلاج غير الدوائي:
* التمارين الرياضية.
* العلاج السلوكي المعرفي (CBT).
* تقنيات الاسترخاء والتأمل.
3. تعديل نمط الحياة:
* النوم المنتظم.
* التغذية المتوازنة.
* إدارة الضغوط النفسية.
البعد الإنساني

الفيبروميالجيا ليست ألمًا جسديًا فقط، بل معاناة صامتة مع عدم التفهم من الآخرين، حيث يُتهم المريض أحيانًا بالمبالغة أو التوهم. وهنا تأتي أهمية الدعم النفسي والاجتماعي، لأن المرضى يحتاجون إلى من يصدق آلامهم ويشاركهم رحلة التعايش.
الفيبروميالجيا تذكير بأن الألم ليس دائمًا مرئيًا. هو امتحان للقوة الداخلية، وصراع من أجل استعادة التوازن بين الجسد والروح. قد لا نستطيع إطفاء الألم كليًا، لكننا نستطيع أن نتعلم كيف نعيش معه، ونمنحه معنى جديدًا لا يسرق منا جمال الحياة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى