كتاب وشعراء

زواج القصيدة …..بقلم فاضل عباس

زواج القصيدة
لم يكن الزواج هنا طقساً يُعلن في حضور شهود، ولا عقداً يُوثَّق على ورق، بل كان اتفاقاً خفيّاً بين الروح وصداها، بين القلب ومجازاته.
كنتُ العريس الذي لم يلبس ثوباً سوى بياض الذكرى،
وكانت القصيدة عروسي،
ممشوقة بخيالها،
متعطّرة بمدادها،
تتهادى في ممرّ من استعارات،
والنجومُ ترفعُ شموعها كأنها وصيفات في عرس .
تزوجتُ قصيدة الحب بداخلي،
فكانت أولى مراسيمها أن جرّدتني من كل زينة عابرة،
حتى وقفتُ عارياً إلا من الصدق،
وألقَتْ عليّ رداءً من مجاز،
يلمع كأنَّه نورٌ نزل من سرّ الكلمة.
في الليلة الأولى،
لم أفتح باباً من خشب،
بل باباً من كلمات
جلستُ أمامها كما يجلس عاشقٌ أمام مرآة،
أرتّل لها فواصلَ الغرام،
وتقرأ هي في عينيّ إيقاع القوافي.
لم تكن القبلة بين شفتي وشفتها،
بل بين صوتي وصمتها
دخلتُ عليها كما يدخل العاشق محرابه،
لا بيدٍ تحمل هدية، بل بقلبٍ يُلقي نفسه قرباناً.
ومنذ تلك الليلة،
صارت القصيدة مسكني
إذا حزنتُ، تمدّ لي ذراعاً من صور
وتسقط على كتفي زنابق بيضاء،
وإذا فرحتُ،
أزهرَت في فمي أبياتٌ جديدة
وبعثرتْ فوقي نجوماً من قافية،
وإذا ضعتُ،
رسمت لي خارطة من استعارة.
العرس الأبدي ليس يوماً يُحتفل به،
بل مقاماً يُقام في الداخل
حيث القلب طفلٌ يلهو في صالة الخيال،
وحيث الروح عروسٌ لا يذبل ثوبها.
وهكذا، صرتُ كلما قرأتُ نفسي،
قرأتُها،
فما دام العرس قائماً ،
يبقى القلب طفلاً،
وتبقى الروح عروساً .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى