د. فيروزالولي تكتب:سفراؤنا الأبديون: ممثلو اليمن في الخارج… عن طريق الخطأ!

عزيزي القارئ،
إذا صادف أن مررت بجوار سفارة يمنية في إحدى العواصم الكبرى، فلا ترهق نفسك بالسؤال عن نشاطها أو دورها، ولا تقترب كثيرًا من بوابتها الحديدية بحثًا عن خدمة وطنية. فهذه ليست سفارات بالمعنى الدبلوماسي، بل فروع عائلية لدولة خيالية اسمها: جمهورية المجاملات المتحدة!
سفراؤنا الكرام – حفظهم الله من الإقالة كما حفظهم مجلس القيادة من المحاسبة – يعيشون حالة نادرة من السلام الدبلوماسي المزمن، لم تهزهم حرب، ولم تقلقهم مجاعة، ولم تحركهم عشرة أعوام من التيه الوطني.
هؤلاء ليسوا مجرد دبلوماسيين. إنهم رموز “ثابتة” في زمن متغيّر، تم تعيينهم في مساء ثقيل من عام 2014، ثم نسيهم الزمن… وبقوا!
يكتبون تغريدة كل شهر، يصافحون قنصلًا كل ربع سنة، ويقيمون حفلاً وطنياً كل ذكرى “إعلان جمهورية بلا كهرباء”، ثم يعودون إلى سباتهم العميق في شقق مدفوعة الإيجار… من دم الشعب.
وزارة الخارجية تحاول… لكن!
وزير الخارجية الحالي شائع الزنداني، ونائبه – وهما على الأرجح الوحيدان المستيقظان في هذا الكابوس – حاولا النبش في ملفات “السفراء الأبديين”.
فحرّكا بعض الأوراق الصفراء، وسألا سؤالًا بريئًا:
“ما الذي قدمه هؤلاء للسلك الدبلوماسي غير استهلاك القهوة الأوروبية والمشاركة في حفلات الاستقبال؟”
لكن السؤال لم يرق لـ”مجلس القيادة”، الذي يبدو أن السفراء لديه كالتحف العائلية: لا تُباع، لا تُهدى، ولا تُقيَّم… حتى لو تهالكت.
سفير مدى الحياة؟ لماذا لا!
في الدول الطبيعية، يُستدعى السفير للتقييم، يُسأل عن أدائه، علاقاته، تمثيله لبلاده.
أما في اليمن؟ فالوضع مختلف تمامًا.
إن كنت سفيرًا يمنيًا، فأنت إما:
محسوب على جهة نافذة،
أو ابن خال نائب وزير سابق،
أو ببساطة: كنت في المكان المناسب لحظة وقوع انقلاب التعيينات الجماعية.
لا تقارير، لا رقابة، لا مسؤولية. فقط “استمرار تلقائي” مثل اشتراك في منصة بث، يتجدد سنويًا دون أن يلاحظه أحد.
سفارات أم صالونات اجتماعية؟
تحولت السفارات اليمنية إلى صالونات مغلقة، يجتمع فيها الملحق الثقافي مع القائم بالأعمال لتحديد ضيوف الشرف لحفل العيد الوطني.
أما القضايا الوطنية؟ يكفي بيان خجول يُنشر على صفحة فيسبوك السفارة، بترجمة ركيكة من مترجم “جوجل”… والسلام.
بينما دول الجوار تبني تحالفات وتخوض معارك دبلوماسية،
سفاراتنا منشغلة بتجهيز “بوفيه محترم” للمناسبة القادمة،
والتأكد أن القهوة أصلية… على الأقل لنبقي شيئاً يمنياً في المشهد.
الرسالة واضحة: لا مكان للشباب المؤهل
بينما يقبع المئات من خريجي العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الداخل، بلا فرص ولا وظائف ولا حتى أمل،
تظل السفارات اليمنية محجوزة لكبار السن و”أبناء الوساطات”،
بعضهم لا يفرّق بين القرار الأممي وتغريدة من مجلة فرنسية للموضة!
وما يبدو خللاً وظيفياً، هو في الحقيقة إهانة رسمية لكل شاب يمني مؤهل، ولكل نَفَس إصلاحي في هذا البلد.
الختام
نعيش مسرحية عبثية:
أبطالها: سفراء لا يتغيرون
جمهورها: شعب لا يُستشار
مخرجها: مجلس قيادة لا يُحرّك ساكنًا
والنص: مسودة كتبت في صالة انتظار مطار… بيد مسؤول كان في طريقه إلى جلسة تصوير جديدة!
البلد لا تحتاج فقط إلى إعادة إعمار المدن، بل إلى إعادة تشغيل عقول مسؤوليها.
أما السفراء الأبديون؟ نقترح تكريمهم بـوسام أطول إقامة دون إنجاز،
ونقلهم إلى المتحف الوطني بجوار مخطوطات العهد الزيدي ومجسمات صنعاء القديمة…
فعلى الأقل هناك، سيشعرون بشيء من الانتماء الزمني.
نسخة مع التحية إلى:
كل دبلوماسي يمني شاب لم يأخذ فرصته
كل سفير نزيه يشعر بالعار من هذا العبث
ومجلس القيادة الرئاسي… إن بقي في وقته متّسع لقراءة الواقع، بدل طلاءه