حمزه الحسن يكتب :حرية التعبير كفضيحة

رغم غباء ووحشية النظم المتخلفة، لكنها تتمتع بدهاء غريب في ما يتعلق ببعض الحريات كحرية التفكير مثلاً التي لا تستطيع السيطرة عليها،
لكنها تعرف أن ضحاياها غير قادرين على إستعمالها كمنح بائع جوال مركز ابحاث عن الفضاء ، لذلك تمنحهم حرية التعبير في بعض الأحوال لا لكي
يثبتوا كرامتهم بل لكي يثبتوا إنحطاطهم الفكري وعجزهم عن التفكير الذي لا وجود له ويكتفون بالسب والشتم وتظهر السلطة انها اكثر اخلاقية منهم،
بعد أن هدمت هذه النظم الأسس والبنية العميقة للقدرة على التفكير،
في السياسة والاقتصاد والثقافة والسيطرة حتى تصبح حرية التفكير عندهم كرحلة في متاهة بلا خرائط ،
لذلك قال جورج أورويل مؤلف رواية: 1984:
” لا مانع في منحهم حرية فكرية طالما أنهم مجرّدون من القدرة على التفكير”.
ماذا ينفع بائع عربة نفط مثلاً منحه مركبة فضائية؟ أو شخص سطحي ملقن عاجز عن تركيب عبارة سليمة منصب رئيس الوزراء؟
أو فرد مفرغ من المشاعر السوية ومحطم من الداخل والخارج وعبارة عن انقاض مبعثرة لا يربطها مع بعض سوى القميص وربطة العنق والحزام والحذاء، لو وضعته على شاطئ مشرق في نهار صيفي عذب،
أو قدمت له هدية قطعة موسيقية هادئة؟
ماذا يجدي المحتضر حفلة عيد ميلاد وزهور وعطور وموسيقى؟
وقبل أورويل قال الفيلسوف سورين كيركغور:
” الناس يطالبون بحرية التعبير كتعويض عن حرية التفكير التي نادراً ما تستخدم”.
حرية التعبير التي تمنح للناس من نظم منحطة مع غياب شروط حياة مشرفة، هي جريمة لفضح هؤلاء البؤساء الذين يتخيلون أنهم عباقرة ومن الواجب حماية هؤلاء من أنفسهم كما نحمي شخصاً يمزق
ثيابه في ميدان عام حتى لو منعهم من الكلام للاحتفاظ بطاقة الغضب الضرورية يوما للتغير بدل التنفيس غير المجدى والمفيد للنظام كما تضع بعض الدول في الاحتجاجات العنيفة سيارات قديمة غير مستعملة امام المتظاهرين لحرقها وافراغ طاقة الغضب .
حرية التعبير، بل شروط حياة حقيقية وأمن وعدالة، مكر ودهاء سياسي مبطن لكي تثبت السلطة أنها أمام كائنات قاصرة وغير ناضجة.
لسنا ضد الرأي الرصين والناضج بل ضد التفاهة لانها تخدم السلطة وتشجع هذه عليها، من يتكلم بلغة السلطة ليس معارضا لها بل هو جزء منها لان اللغة سلطة، وكلما تسطحت اللغة وانحطت، كلما صار الفرد سلطة.
سلطة التفاهة العامة تغطي على خطاب النظام.
هذا التنفيس الفاشل والعقيم هو لتفريغ شحنة الغضب والانفجار والعصيان
من دون نتائج مثمرة وهو نوع من الخبث الممنهج.
أحينا قد تضطر للصراخ: إمنعوا هؤلاء من ممارسة حرية التعبير حفاظاً على ما تبقى لهم من كرامة ومن غضب ومن أمل التغيير.