د.فيروزالولي تكتب :انقلبت الآية في اليمن: وزير الخارجية يزور السفير!

في مشهدٍ يبدو وكأنه مقتطع من مسرحية عبثية أكثر من كونه مشهدًا دبلوماسيًا رسميًا، زار وزير الخارجية اليمني، شائع الزنداني، سفير المملكة العربية السعودية لدى اليمن. لا، لم تقرأها خطأ… الوزير هو من زار السفير!
نعم، عزيزي القارئ، يبدو أن البروتوكول الدولي قد خرج في إجازة مفتوحة من اليمن، وترك ساحة العلاقات الرسمية تعيش على مبدأ:
“اللي يقدر يعمل حاجة، يعملها!”
الدبلوماسية الدولية: ما تقوله الكتب لا ما يحدث في صنعاء
وفقًا لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961 – وهي المرجع الأول لأي شخص يريد أن يعرف “من يزور من” – فإن ترتيب الزيارات واللقاءات بين الوزراء والسفراء يخضع لمبادئ صارمة وراسخة، منها:
الوزير يقابل الوزير.
السفير يُستدعى إلى الوزارة.
كبار المسؤولين لا “يتنقلون” إلا في زيارات رسمية مدروسة، لا في نزهات عابرة إلى مقر السفير!
ولمن يريد أن يراجع بنفسه:
المادة 41 من اتفاقية فيينا تنص على ضرورة احترام التدرج والتسلسل في العمل الدبلوماسي.
المادة 9 تؤكد على حق الدولة المضيفة في قبول أو رفض التعيينات، مما يدل على مدى دقة البروتوكول.
هذه ليست مجرد تفاصيل نظرية، بل هي ما يحفظ للدول مكانتها، وللمناصب الرسمية هيبتها، حتى في زمن الأزمات.
لكن يبدو أن في اليمن، كل شيء ممكن. حتى المعكوس منطقي… مادام السياق غير منطقي من الأصل!
هل أصبح الوزير “مندوب شؤون زوار”؟
منذ متى يخرج وزير خارجية – الممثل السيادي الأعلى للعلاقات الدولية لدولة ما – لزيارة سفير؟
هل نحن في احتفال عائلي؟
هل أحضر الوزير معه باقة ورد؟
أم كتب على دفتر الزيارات:
“تشرفت بالزيارة.. وأتمنى أن نلتقي قريبًا في مناسبة سعيدة”؟
في الدول التي لم “تبلعها الحروب”، يقوم الوزير بدعوة السفير إلى مقر الوزارة، ويتم اللقاء هناك، في حضور علم الدولة، وبكاميرات رسمية، وتوثيق بروتوكولي.
أما عندنا؟
فوزير الخارجية يحمل حقيبته، ويتوجه إلى مقر السفير، وكأن الأخير هو من يملك القرار.
وفي لحظة صمت، نسأل: من يمثل من؟
ترتيب البيت أم تأثيث السفارة؟
هل أصبح دور وزير الخارجية اليمني اليوم هو ترتيب “البيت السياسي” للسفير السعودي؟
أم أن المشهد يعبّر بصدق عن واقع العلاقات اليمنية–السعودية، حيث لا داعي لتجميل الحقيقة؟
لا غضاضة في التعاون بين الدول، ولا في التحالفات الاستراتيجية، لكن حين يصبح الوزير هو من “يتودد” إلى السفير، فإن المشهد يبدو أقرب إلى “توزيع أدوار” غير متكافئة.
وهذا ليس تهجمًا، بل دعوة لإعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة اليمنية، حتى ولو كانت هذه الدولة “افتراضية” في بعض الأحيان، لكنها تستحق قليلًا من الكرامة الشكلية!
فإن كانت السفارة أصبحت مقر القرار، فهل باتت الوزارة مكتب بريد لتوصيل التحايا وتأكيد الولاء؟
الدبلوماسية ليست مجاملة
الدبلوماسية ليست ترفًا شكليًا، ولا حفلات شاي بين أصدقاء.
إنها فن التعامل بين الدول، لا فن المجاملة بين الأفراد.
حين يُختزل المنصب السيادي إلى مجرّد حركة علاقات عامة، فإن الرسالة للعالم واضحة:
لا قرار في الداخل… وكل شيء يُصاغ في الخارج.
السخرية مرة… لكن الواقع أمرّ
قد يظن البعض أن هذا المقال تهكمي. لكنه في الحقيقة، أقرب ما يكون إلى نشرة إنقاذ للماء المتبقي في وجه الدبلوماسية اليمنية.
نحن لا نطالب بأن يرفض الوزير لقاء السفير، ولكن أن يتم اللقاء في المكان والهيبة التي تليق بمنصب الوزير.
وإلا، فلنختصر الوقت، ونسمي الأمور بمسمياتها:
“وزير الخارجية لدى سفارة السعودية في اليمن”.
في الختام…
هل آن الأوان لأن نقلب الطاولة على هذا العبث؟
أن نُعيد للدولة اعتبارها؟
أن نُعيد ترتيب الكراسي على خشبة المسرح، حيث يعرف كل ممثل دوره؟
أم سنظل أسرى لبروتوكول مقلوب،
حيث يُزار السفير،
ويُستقبل الوزير،
وتُصفّ الكرامة في قاعة الانتظار؟
المراجع:
1. اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية 1961 – الأمم المتحدة
2. دليل البروتوكول الدبلوماسي – وزارة الخارجية البريطانية
3. البروتوكول والإتيكيت الدولي – المعهد الدبلوماسي التابع لجامعة جورجتاون