رؤي ومقالات

مصطفي السعيد يكتب :إقتراب فرنسا وبريطانيا من الإنهيار الإقتصادي

هل تصمد فرنسا وبريطانيا أمام العواصف الإقتصادية والإرتباك السياسي والإحتجاجات؟ أم أن أكبر إمبراطوريتين كانتا تقتسمان العالم قبل 80 عاما أوشكتا على الإنهيار الإقتصادي ودخلتا نفق مظلم لا يبدو له مخرج حتى الآن. الأرقام تبعث على التشاؤم من مصير القوتين العظمتين السابقتين، والأخطر أن تمتد العواصف لباقي بلدان أوروبا، خاصة أسبانيا وإيطاليا واليونان، بل إن ألمانيا التي كانت قاطرة الإقتصاد الأوروبي ليست بعيدة عن مرمى العواصف. الأرقام تكشف عمق الأزمة، فالديون الفرنسية تجاوزت 3،3 ترليون يورو، تمثل نحو 114% من الناتج المحلي الإجمالي، وتدفع 67 مليار يورو فوائد سنوية عن هذه الديون، وليس سداد أي أقساط منها، بواقع 183 مليون يورو يوميا، وإذا أضفنا إليها الديون الخاصة للشركات والأفراد، فالرقم يتجاوز 8,6 ترليون دولار، وهذا ليس كل ما في الأزمة، فمعدل النمو لا يتجاوز 6،%، و11 مليون فرنسي يعيشون تحت خط الفقر، و198 ألف شركة أغلقت أبوابها في السنوات الثلاث الماضية، وهناك عجز كبير في الموازنة، يبلغ 5,8% أي بواقع يقترب من ضعف من النسبة المسموح بها في الإتحاد الأوروبي، وهي 3%، بما يعني أن فرنسا تحتاج إلى المزيد من القروض لسد العجز في الموازنة، وإلا فعليها أن تتبع خطوات تقشف أشد وطأة، يطال الرعاية الصحية والإجتماعية وإلغاء الإجازات الرسمية لزيادة عدد ساعات العمل، وهو ما لا يمكن للفرنسيين الغاضبين أصلا تحمله، ولا يمكن نسيان مظاهرات أصحاب السترات الصفراء واحتجاجات المزارعين وانتفاضة الضواحي، ومن الصعب وضع أعباء جديدة على شعب غاضب جدا من سياسات الحكومة الفرنسية، وأظهرت الإستطلاعات أن 77% عير راضين عن سياسات الرئيس الفرنسي ماكرون، وأنه لا يحظى إلا بتأييد ضئيل للغاية، ما يعني أن سقوط حكومة فرانسوا بايرو ليست نهاية الأزمة، بل مجرد مقدمة لأوضاع أكثر صعوبة، فالحكومة الجديدة المعينة من ماكرون برئاسة سيباستيان لوكورنو من الصعب أن تحظى بثقة الجمعية الوطنية، بعد إعلان أكبر تكتلين فيها عن رفض رئيس الحكومة الجديد وحجب الثقة عنه، لتواصل فرنسا الغوص في أزمة سياسة ترافق أزمتها الإقتصادية، وتقترح قوى المعارضة صاحبة الأغلبية البرلمانية والشعبية إجراء إنتخابات جديدة، بل إقصاء الرئيس الفرنسي، الأخطر أن الكتل السياسية الرئيسية متباعدة جدا، بين اليمين القومي الموصوف بالتطرف، والذي تتزعمه مريان لوبان زعيمة حزب التجمع الوطني، والجبهة الشعبية التي يتقدمها حزب فرنسا الأبية، الذي يمثل أقصى اليسار، بينما تقف عدد من الأحزاب المختلطة في الوسط، راهن عليها ماكرون دون فائدة، ومن الصعب أن تحافظ على وضعها الضعيف في أي إنتخابات قريبة، وهو ما يعني أن الأزمة السياسية مستمرة، بل قابلة للتفجر على مستوى الشارع، فهناك مجموعات عنف تشكلت تحت إسم “لتغلق كل شيء”، بينما حشدت الحكومة نحو 80 ألف شرطي للمواجهة. والسؤال الكبير المطروح هو أسباب هذه الأزمة المعقدة، وهل يوجد سبيل للخروج منها؟ هناك آراء متعددة ومتفاوتة عن أسباب الأزمة، وأبرزها تراجع القدرة التنافسية للصناعات الفرنسية، وخروج شركات فرنسية من أفريقيا مع خروجها العسكري من بوركينا فاسو ومالي والنيجر وتشاد، ورفض هذه الدول ربط الفرنك الأفريقي بالفرنك الفرنسي، وبدء خطوات إصدار عملة جديدة مستقلة بمساعدة الصين وروسيا، وجاءت الحرب الأوكرانية لتضيف أعباء جديدة على الإقتصاد الفرنسي، خاصة مع خروج الولايات المتحدة من دعم أوكرانيا.
الوضع في بريطانيا ليس أفضل حالا، وتواجه صعوبات إقتصادية حادة مع عدم استقرار سياسي أيضا، فالحزبان الكبيران اللذان يتداولان الحكم في تراجع، وجرى تغيير 5 حكومات في نحو 5 سنوات مثلما حال فرنسا، وهناك صعود لليمين القومي، وأحزاب جديدة تظهر على الساحة وسط حالة عدم اليقين والفشل المتكرر للحكومات المتعاقبة، ويبلغ الدين العام البريطاني 3،9 ترليون دولار، وديون الشركات والأفراد 4،9 ترليون دولار، وفقد نحو 250 ألف بريطاني وظائفهم مع بداية هذا العام فقط، وكذلك أغلقت 14 ألف و500 شركة أبوابها في نفس الفترة، وغادرها نحو 138 ألف و500 مليونير خلال 10 سنوات، بينما طوابير الفقراء تزداد طولا أمام مراكز المساعدات، وكانت بريطانيا قد خرجت من الإتحاد الأوروبي مطلع عام 2020 تحت شعارات وهمية بأنها ستستعيد مكانتها القديمة، وأن إنضمامها للإتحاد الأوروبي يكبل تقدمها، وأنها ستوقع اتفاقيات إقتصادية لتعزيز الشراكة مع أمريكا، وأبواب مفتوحة لتحقيق طفرة إقتصادية، وإذا بهذه الأوهام تسقط سريعا. يندم كثير من البريطانيين على الخروج من الإتحاد الأوروبي، وبدأ البعض في المطالبة بالعودة إليه، لكن أوروبا مثقلة أيضا بالمشاكل، ولا يمكن استبدال أوهام بأخرى، ولهذا فإن بريطانيا تواجه أزمة معقدة وحالة عدم يقين أو ثقة في سياسات الحزبين الكبيرين، وأكثر اندفاعا نحو تأييد الحرب في أوكرانيا، وكأن الحرب ستخرجها من أزماتها. هكذا يبدو أمامنا مشهد تراجع دولتين عظمتين كانتا تهيمنان على العالم من مشرقه إلى مغربه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى