حافظ المرازي يكتب :القرار القطري.. الذي لايحتاج قمة عربية أو إسلامية

قبل خمسة أيام فقط من مغادرة دونالد ترامب البيت الأبيض ليتحول الى رئيس سابق، أعلن البنتاجون يوم 15 يناير 2021 أهم آخر قرارت الرئيس المنصرف، والذي لم يتمكن رئيس امريكي منذ عام 1983 ان يتخذه، حتى لا يغضب ويحرج الدول العربية التي اصبح بعضها كمصر والسعودية حلفاء يحاربون، ومعهم السوربون أحيانا، جنبا إلى جنب القوات الامريكية ضد أعداء مشتركين، مثل العراق في حرب 1991 لتحرير الكويت!
كان قرار ترامب الأخير لرئاسته الأولى، وبناءا على روح الاتفاقات الإبراهيمية التي حققها قبل أشهر مع كوشنر زوج ابنته بالسلام مقابل السلام (ودون أرض)بين إسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب…
بالتالي يتم نقل المسئولية العسكرية الأمريكية مع اسرائيل والتنسيق والمناورات الإقليمية معها من نطاق وعضوية القيادة الأمريكية الأوروبية EuroCom إلى القيادة المركزية الأمريكية (الوسطى) CentCom
أراد ترامب قبل ان يترك مكتبه البيضاوي ان تلعب امريكا على المكشوف في المنطقة، فالكل يعرف ان القيادة الوسطى تنسق وتتعاون عسكريا مع اسرائيل اكثر مما تتعامل معها قيادة المنطقة الأوروبية، كما أن رؤساء أركان جيوش عربية شارك بعضهم باجتماعات في البنتاجون بوجود رئيس الأركان الإسرائيلي، دون اعتراف بلادهم رسميا بإسرائيل او إقامة علاقات رسمية معها، لكن في الخفاء وفي عهد ترامب. كمثال على ذلك، المؤتمر الذي حضره الجنرال جوزيف دوندورف رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية في عام 2018 مع رؤساء أركان جيوش عربية تنضوي تحت مظلة القيادة الوسطى الامريكية وكان منهم رئيس الاركان السعودي، بينما رفض رئيس الاركان اللبناني الحضور بسبب مشاركة الجنرال الإسرائيلي، وقاطع المؤتمر.
كان إبقاء اسرائيل في نطاق القيادة الأوروبية يرفع الحرج عن الأمريكيين في علاقاتهم العسكرية العربية، بحيث إنه حتى حين تقصف اسرائيل مواقع في لبنان وسوريا والعراق، كانت الحجة انها مع الأوروبيين، ولا تحتاج الى تبادل معلومات المخابرات والرادار والاستطلاع إلا مع القيادة الأوروبية وليس الوسطى التي ينسق العرب معها، وكذلك يمكنهم المشاركة في مناورات عسكرية كمناورات النجم الساطع السنوية التي تُقام بمصر وتضم بعض قوات تتبع نطاق القيادة الاوزوبية بجانب الدول العربية المشاركة في التنسيق مع القيادة الوسطى.
تم إنشاء القيادة المركزية/الوسطى الامريكية عام 1983 بعد اربع سنوات من حدوث تهديدين لامريكا عند طرفي هذه المنطقة الوسطى لنفوذها العسكري: الغزو السوفيتي لأفغانستان والثورة الإسلامية في إيران.
بالتالي، امتد نطاق هذه القيادة إلعسكرية من أفغانستان الى إيران، وشملت في البداية مع مصر دولا افريقية مثل السودان والصومال ومنطقة القرن الإفريقي. لكن بعد عشر سنوات لم تبق سوى مصر من الدول الإفريقية في نطاق القيادة الوسطى، وأنشأ البنتاجون قيادة جديدة مستقلة لإفريقيا AfriCom
وبعد ان كانت سوريا ولبنان محسوبة في المنظومة الامريكية مع تركيا واسرائيل تحت القيادة الاوزوبية، تم نقل نطاق الدولتين إلعربيتين الى نطاق القيادة الوسطى عام 2004 وبعد حرب العراق. وهكذا تحولت القيادة الوسطى سنتكوم الى جامعة دول عربية وإسلامية تحت السلاح الامريكي تنسيقا ومشاركة او تهديدا وحصارا وقصفا، مثل ايران!
منذ تأسيسها، تتخذ القيادة الوسطى الامريكية من قاعدة ماكديل العسكرية بولاية فلوريدا الامريكية مقرا رئيسيا لها. لكنها اختارت كمقر إقليمي بالمنطقة دولة قطر منذ عام 2002 (وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر) كان مقر سنتكوم في البداية بقاعدة السيلية ثم انتقلت بعد سبع سنوات لقاعدتها الحالية الأكبر: العُديد، والتي لاتبعد سوى بضع كيلومترات عن المنطقة التي قصفتها اسرائيل الثلاثاء الماضي.
لو نظرنا إلى قائمة الدول العربية والإسلامية المشاركة في قمة الدوحة لشجب العدوان الإسرائيلي، سنجد ان من بينها 20 دولة عربية او مسلمة تشترك مع الدولة الغاشمة في عضوية واجتماعات ومناورات وتحالفات جيوش دول القيادة الوسطى الامريكية الموجودة بالدوحة. وهذه هي الدول العشرون التي كانت تحت نطاق السنتكوم وحدها قبل قرار ترامب بضم اسرائيل اليهم:
-كل دول الخليج العربية ألستة، بقواعد امريكية في خمس منها، بعد الانسحاب من قواعد السعودية،
-ومعها: مصر، الأردن،العراق، اليمن، سوريا، لبنان،
-ومن دول القمة الإسلامية:
أفغانستان، ايران، باكستان، تركمانستان، قازاخستان، طاجيكستان، قرغيزستان، أوزبكستان
كانت اسرائيل الدولة 21 والوحيدة غير العربية او الاسلامية التي ضمها ترامب لسنتكوم، ليجبر العرب بقواتهم وراداراتهم على التطبيع ولو بعيدا عن الانظارـ.
وكان هناك اعتقاد بعد تولي إدارة بايدن الرئاسة، تغيير قرار ترامب، لو طلب العرب، وبعد المصالحة القطرية السعودية وانتهاء الانشقاق الخليجي والعربي مع الدولة التي تستضيف القيادة الوسطى الامريكية والتي، للإنصاف، كان لوجود تلك القاعدة فضل لقطر بمنع السعودية من التهور بدفع دباباتها الى الدوحة في الخامس من يونيو حزيران 2017عند بدء الحصار والمقاطعة.
ولم تكن تركيا لتساعد قطر، لو كانت القاعدة الامريكية تركت الدبابات السعودية تدخل، وذلك لسبب بسيط، هو ان القاعدة التركية التي يُفترض ان تكون في إطار القيادة الأوروبية الامريكية كان مقرها في الدوحة: بل وداخل منطقة القيادة الوسطى الامريكية سنتكوم نفسها في العُديد!!
لكن إدارة بايدن التي تراجعت عن كل تهديداتها بعزل السعودية وتجاهل مصر، بسبب ملف حقوق الإنسان، عادت وسعت لإرضاء الجميع مقابل امن اسرائيل ودفع العرب للتطبيع معها.
كما أصبح قادة القيادة الوسطى وزراء دفاع لأمريكا ونافذين في إداراتهم، فمثلما اختار ترامب في بداية فترته الاولى الجنرال جيمس ماتيس وزيرا للدفاع، اختار بايدن قائدا آخر سابق للقيادة الوسطى وهو لويد اوستن ليكون وزيره للدفاع خلال كل فترته الرئاسية.
وحين عيّن ترامب في فترته الرئاسية الثانية قائدا جديدا للقيادة سنتكوم، في شهر اغسطس الماضي، وهو الادميرال براد كوبر، حرص الرجل حين زار المنطقة في سبتمبر الماضي قادما من مقره في فلوريدا ان يزور اولا: آخر دولة اصبحت عضوا في نطاق قيادته الوسطى، ألا وهي اسرائيل، ويلتقي برئيس الأركان ويزور معه منطقة غلاف غزة!
لكن بعد قصف إسرائيل الدوحة، جاء الجنرال كوبر نفسه هذه المرة لزيارة مضيفي قواته وقاعدته في المنطقة، ربما للاعتذار او تقديم أي تبريرات تقنية لكيف لم تتصد الدفاعات الجوية عند قاعدته للطيران الاسرائيلي او صواريخه، بينما انطلقت بسرعة ضد الصواريخ الإيرانية!
والمفارقة، ان القائد العسكري الامريكي لم يظهر في صوره خلال زيارته الحالية مع نظير عسكري قطري بل مع دبلوماسي وسياسي هو وزير خارجية قطر ورئيس وزرائها، الذي كان قد عاد لتوه من نيويورك ببيان صحفي من مجلس الأمن، وعشاء مع ترامب، ومن واشنطن بلقاء مع نائب الرئيس الأمريكي!
زار قائد المنطقة الوسطى الامريكية الدوحة بالأمس مع وصول وزراء خارجية أغلب الدول العربية والإسلامية العشرين الموجودة تحت نطاق القيادة الأمريكية..
ما العمل؟
بالطبع، مخاطرة كبيرة لقطر، بعد ان تحولت وزارة الدفاع الامريكية إلى وزارة الحربية، ان تطلب من القوات الأمريكية لديها التي لم تحمها، رغم ان قطر هي التي تنفق عليها، بالخروج من قطر.. لكن قد تكون هذه فرصة لقطر والدول المشاركة في القمة، وأغلبها في التعاون والتنسيق مع قيادة سنتكوم، بإخراج إسرائيل من نطاق القيادة الوسطى، وإعادتها ولو بيروقراطيا الى نطاق القيادة الاوروبية، مثلما كانت لعقود قبل اربع سنوات مضت، لأنه من غير الملائم ولحفظ وجه المضيفين، استمرار التنسيق والتعاون علنا مع دولة اعتدت على نفس العاصمة والمدينة التي تستضيف قاعدة سنتكوم.
لقد سئمنا بيانات الشجب والدعم والتأييد، وربما يكون طلب قطر بعودة إسرائيل من حيث أتت الى القيادة الأوروبية، هو أقل رد اعتبار لقطر ودول السنتكوم العربية والإسلامية المجتمعة بالدوحة، وهو قرار قطري لايحتاج قمة ولن يغير تعاون كل قيادات أمريكا مع حليفها الحقيقي الوحيد!
أما الدول العربية الراضية عن تنسيق جيوشها مع إسرائيل من خلال القيادة المركزية الأمريكية فقد تعيد النظر في الموضوع بعد القصف الإسرائيلي لأراضيها مستقبلا!