تشريح صفقتين عملاقتين: الإمارات حصلت على شرائح حاسوب، وفريق ترامب جنى ثروات من العملات الرقمية
صفقة مربحة تشمل شركة عائلية لترامب في مجال العملات الرقمية، واتفاق يمنح الإمارات وصولاً إلى شرائح الذكاء الاصطناعي، ارتبطتا ببعضهما بطرق لم تُكشف من قبل.

بقلم: إريك ليبتون، ديفيد يافي-بيلاني، برادلي هوب، تريب ميكل، وبول موزور
تقرير من واشنطن، نيويورك، لندن، دبي، سان فرانسيسكو، وتايوان
في صيف هذا العام، زار ستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس ترامب إلى الشرق الأوسط، ساحل سردينيا على البحر المتوسط، المليء باليخوت الفاخرة. وعلى أحد تلك اليخوت جلس مع أحد أفراد الأسرة الحاكمة الثرية في الإمارات، الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، الرجل الذي يتحكم بـ1.5 تريليون دولار من أموال الثروة السيادية للإمارات.
كانت هذه أحدث حلقة في تحالف بالغ الأهمية. فخلال الأشهر الماضية، تحول ويتكوف والشيخ طحنون إلى حلفاء دبلوماسيين وشركاء أعمال، اختبروا حدود القواعد الأخلاقية بينما راكموا الثروة للرئيس وعائلته ودائرته الضيقة، وفق تحقيق لصحيفة نيويورك تايمز.
جوهر العلاقة كان صفقتين بمليارات الدولارات:
• الأولى تخص شركة عملات رقمية أسسها آل ويتكوف وآل ترامب وجلبت لهم أرباحاً مالية.
• الثانية بيع شرائح حاسوب متقدمة استفادت منها الإمارات اقتصادياً.
لا يوجد دليل على أن صفقة قُدمت مقابل الأخرى صراحةً، لكن تزامنهما كان استثنائياً. وبتكاملهما، اختلطت حدود العمل الحكومي مع مصالح العائلة، ما أثار تساؤلات حول ما إذا كانت المصلحة الأميركية قد خُدمت.
في مايو، أعلن زاك ويتكوف (نجل ستيف) في مؤتمر بدبي أن إحدى شركات الشيخ طحنون الاستثمارية ستضخ 2 مليار دولار في شركة “وورلد ليبرتي فاينانشال” للعملات الرقمية، التي أسسها آل ويتكوف وآل ترامب.
بعد أسبوعين، وافق البيت الأبيض على منح الإمارات وصولاً إلى مئات آلاف الشرائح الحاسوبية الأحدث والأندر في العالم، أدوات أساسية في سباق السيطرة على الذكاء الاصطناعي. كثير من تلك الشرائح كان مخصصاً لشركة G42، المملوكة للشيخ طحنون، رغم المخاوف الأمنية من إمكانية تسربها إلى الصين.
كان يقود تلك المفاوضات مسؤول آخر في البيت الأبيض له صلات وثيقة بعالم التكنولوجيا والشرق الأوسط: ديفيد ساكس، المستثمر المخضرم في وادي السيليكون والمستشار الجديد لترامب بصفة “قيصر الذكاء الاصطناعي والعملات الرقمية”.
أظهرت نيويورك تايمز أن الصفقتين كانتا مترابطتين بطرق غير معلنة سابقاً، وأثارتا مخاوف تضارب مصالح حتى داخل إدارة ترامب نفسها.
أبرز ما كشفه التحقيق:
• ستيف ويتكوف ضغط لمنح الإمارات الشرائح في الوقت نفسه الذي كانت فيه عائلته وعائلة ترامب تحصلان على استثمار العملات الرقمية، رغم وجود قاعدة أخلاقية تمنع المسؤولين من المشاركة في قرارات قد تفيدهم أو أقاربهم.
• ساكس لعب دوراً محورياً في مفاوضات الشرائح، مما أثار مخاوف بسبب كونه لا يزال مستثمراً في قطاع التقنية. حصل لاحقاً على إعفاء رسمي يسمح له بالمشاركة.
• مسؤول تنفيذي كبير مقيم في الإمارات كان يعمل في الوقت ذاته لصالح “وورلد ليبرتي” وشركة G42، ما ربط بين الشركتين أثناء سعي الإمارات للحصول على الشرائح.
• بعض مسؤولي إدارة ترامب حاولوا تقييد الصفقة، لكن تدخلاً مفاجئاً من الناشطة اليمينية لورا لومر غيّر ميزان القوى داخل البيت الأبيض لمصلحة الإمارات.
البيت الأبيض و”وورلد ليبرتي” نفيا أي صلة بين الصفقتين. وقالت متحدثة رسمية إن صفقة العملات الرقمية “لا علاقة لها بأي عمل حكومي”.
لكن وثائق كشفت أن ويتكوف لم يتخلّ تماماً عن مصالحه في الشركة حتى أغسطس. أما البيت الأبيض فقال إنه “لا يزال في طور التخارج”.
مع ذلك، الصفقتان كان لهما أثر ضخم:
• الأولى جعلت “وورلد ليبرتي” فوراً من أبرز شركات العملات الرقمية، بعائدات قد تصل لعشرات الملايين سنوياً.
• الثانية ما تزال قيد التفاوض لكنها تمثل نصراً تاريخياً للإمارات، إذ ستضاعف وصولها إلى واحدة من أهم الاختراعات الحديثة.
خبراء قانونيون وصفوا الأمر بأنه خرق للأعراف الأميركية في الجمع بين السياسة والدبلوماسية ومصالح العائلات.
كما قال براد كارسون، مسؤول سابق في الجيش:
“ينبغي للرئيس أن يتخذ قرارات الأمن القومي بناءً على مصلحة أميركا، لا مصالحه التجارية.”
⸻
الشيخ طحنون: رجل الظل
الشيخ طحنون (56 عاماً) يتمتع بهالة من الغموض. نادراً ما يُرى من دون نظاراته الداكنة بسبب مشكلة في عينيه.
خدم طويلاً كمستشار الأمن القومي للإمارات، وأحاط نفسه برفاق من جواسيس سابقين ورؤساء حكومات عرب.
بحلول 2023، أصبح أيضاً المشرف الأول على صندوق الثروة السيادي الضخم للعائلة، بأكثر من تريليون دولار تحت يده. هدفه: تحويل بلاده الصغيرة الغنية بالنفط إلى قوة تكنولوجية عظمى.
لكن شركته G42 كانت تفتقر إلى العنصر الأهم: الشرائح الأميركية المتطورة، التي تتحكم بها شركات مثل إنفيديا.
حاول طحنون الحصول عليها من إدارة بايدن، حتى أنه التقى وزيرة التجارة جينا ريموندو على يخته. لكن مسؤولي الأمن القومي الأميركيين رفضوا بسبب علاقاته مع الصين.
ما حصلت عليه الإمارات آنذاك كان محدوداً: اتفاق مع مايكروسوفت لتزويد G42 بعدد قليل من الشرائح، مقابل التخلص من بعض المعدات الصينية.
لكن بعد فوز ترامب في انتخابات 2024، تغيرت المعادلة تماماً.
⸻
من الصفقات العقارية إلى صفقات الذكاء الاصطناعي
ستيف ويتكوف، رجل عقارات نيويوركي مقرب من ترامب منذ 40 عاماً، تحول فجأة إلى مبعوث دولي. قبل أسابيع من الانتخابات، أعلن مع ترامب تأسيس “وورلد ليبرتي”، حيث يمتلكان حصصاً ضخمة من عملتها الرقمية.
منذ زيارته الأولى للإمارات في ديسمبر 2024، تداخلت أعماله الخاصة مع مهمته الرسمية. التقى بمستثمرين في العملات الرقمية، وأعاد إحياء علاقاته المالية مع الإماراتيين الذين استثمروا سابقاً في مشاريعه العقارية.
سرعان ما أصبح في قلب صفقات بمليارات الدولارات مع طحنون.
⸻
معركة داخل البيت الأبيض
في ربيع 2025، جاء طحنون إلى واشنطن لاستكمال المفاوضات. استضاف ترامب عشاءً له بحضور نائبه جي دي فانس وأغلب الوزراء.
لكن خلف الكواليس، كان هناك خلاف: بعض مسؤولي الأمن القومي أرادوا تقييد تصدير الشرائح لمنع وصولها للصين. على رأسهم ديفيد فيث.
بعد لقاء قصير بين ترامب ولورا لومر، أُقيل فيث وعدة مسؤولين. وهكذا أُفسح المجال لديفيد ساكس، الذي دفع باتجاه منح الإمارات وصولاً شبه مفتوح للشرائح، مبرراً ذلك بأن “الخيار هو: هل نريد أن تكون هذه الدول مصرفاً للذكاء الاصطناعي الأميركي أم الصيني؟”.
وفي مايو، وافقت الإدارة على رفع الحصة المخصصة للإمارات إلى نصف مليون شريحة سنوياً، خمسها لـG42.
⸻
تحالف العملات الرقمية
بالتوازي، كان زاك ويتكوف يلمع نجمه في عالم العملات الرقمية. أعلن في مارس إطلاق عملة مستقرة جديدة USD1، مخصصة للمستثمرين الكبار.
بفضل دعم الإمارات، تمكن من توقيع صفقة هائلة: شركة MGX المرتبطة بالشيخ طحنون ستستخدم عملة USD1 لضخ 2 مليار دولار في منصة Binance العملاقة.
هذه الصفقة منحت “وورلد ليبرتي” وترامب عملياً وديعة مصرفية بقيمة 2 مليار يمكن استثمارها لتحقيق عوائد بملايين سنوياً. كما ربطت مالياً عائلة ترامب بشركة Binance التي يسعى مؤسسها للحصول على عفو رئاسي.
⸻
الاحتفال بالنصر
في مايو، أعلن ترامب بنفسه من قصر الوطن في أبوظبي عن اتفاق الشرائح، برفقة طحنون وويتكوف وساكس. وصف الشيخ محمد بن زايد الاتفاق بأنه قفزة هائلة، بينما أشاد ترامب بـ”رؤية” القيادة الإماراتية.
لم يذكر علناً صفقة العملات الرقمية مع عائلته.
بعد أسابيع، اجتمع نفس الوجوه مرة أخرى في واشنطن في افتتاح نادٍ خاص أسسه دونالد ترامب الابن. حضر ساكس، ويتكوف، زاك ويتكوف، جنسن هوانغ (مدير إنفيديا)، والسفير الإماراتي.
كان لديهم الكثير للاحتفال به.