رؤي ومقالات

السفيره أمل مراد تكتب :في سياق سؤال ما العمل

في مواجهة عدو يمعن في استخدام القوة العارية من أي قيد أخلاقي أو قانوني أو حتى عقلاني لفرض إذعان يتخيل إمكانه على المنطقة، نحن بحاجة للسير المنضبط وطويل النفس على ثلاثة محاور متوازية، الراجح لدي أنها واضحة في مراكز صنع القرار ولكن أصدائها لم تظهر بعد:
١) تغيير صريح للتوجه الاستراتيجي من الاحتواء إلى الردع:
لا أقصد هنا السعي للمواجهة، ناهيك عن أن أكون داعية للحرب. هو دعوة لرسم خطط وسياسات لردع العدو عن التمدد على حسابنا، مع استعداد -إن فرضت علينا المواجهة- أن نتصدى لها للحفاظ على أمننا وحفظ حقوقنا المشروعة. هو دعوة لتحويل توجهنا الاستراتيجي ليواكب الواقع الذي يفرض نفسه علينا.
قوام سياسة الاحتواء، التي امتدّت لعقود، كان الامتناع عن الخطاب العدائي، والتمسك باتفاق السلام الثنائي والعملية السلمية الإقليمية كخيار استراتيجي وحيد، وتطبيق منطق “سد الذرائع” بقبول أو التطوع بتقديم بعض مما يريده العدو، ظنا أن هذا سيضع حدا للصراع ويقينا والمنطقة ما هو أسوأ. مثال تاريخي على هذه السياسة كان قبولنا في عهد الرئيس السابق مبارك تحمل المسئولية عن الأمن في محور فيلادلفي بين مصر وغزة بعد انسحاب إسرائيل من غزة، فإذا به بفتح الباب لاستخدمه في الضغط علينا لوقف التهريب وبذلك المشاركة الضمنية في حصار غزة.
أوان تغيير هذه السياسة -من وجهة نظري- مضى من زمن، والتحول عنه واجب تأخرنا عنه. وبالنسبة لي أهم ما يجب تغييره في هذه السياسة هو منطق سد الذرائع، فما هو إلا حبوب منشطة للتوحش الإسرائيلي ، وهو على الأرجح ما وصل بنا إلى هنا. واعتبرت رفض مصر لتحمل مسئولية القطاع في سياق محاولات وقف الحرب قرار صحيح بالمنطق ده، وشفت -في المقابل- فتح الباب أمام مشاركة مصر في قوة عربية في غزة استمرار لسياسة سد الذرائع على أمل أن تسمح بإعادة الإعمار ومنع التهجير، وهو ما لم يكن ليحدث.
٢- التركيز على تعزيز الصلابة والصمود العسكري والمجتمعي resilience:
فطالما أننا في صراع مع عدو، بقدراته وبدعم الولايات المتحدة غير المشروط، يصعب جسر فارق القوة العسكرية والاقتصادية بيننا وبينه في المدى المنظور، فالمطلوب هو زيادة القدرة على استيعاب الضغط والضربات (الاقتصادية أو السياسية وحتى العسكرية) دون فقدان القدرة على الاستمرار في الصراع والدفاع عن سيادتنا وحقوقنا.
لذلك أدوات عسكرية واقتصادية وسياسية متعددة، أختار منها هنا زيادة الصلابة المجتمعية (لا الاصطفاف الأجوف) من خلال تحسين المناخ السياسي، وزيادة المشاركة السياسية، وزيادة الشفافية والمصارحة، لتكون مختلف قوى المجتمع على بينة مما هو قادم وواعية لما هو منوط بها وقادرة على تحمل ما قد يصيبنا من أضرار.
٣- لعب دور أساسي وطويل النفس في إعادة تأسيس نظام إقليمي مبني على مبادئ ورؤى مشتركة، يحمي منتسبيه من الفوضى والتوحش الذي تتخذه إسرائيل سبيلا لفرض هيمنتها. وهنا أصر أن تحطيم إسرائيل للقواعد والدبلوماسية والقانون لا يجعلنا نفقد الثقة في تلك الأسس، بل يفرض علينا التمسك بها وبضرورة بناء جماعة إقليمية جديدة regional community of nations ينتظم فيها التعاون والتنافس في نسق حضاري منضبط regional order ويتصدى بشكل جماعي للمارقين الخارجين عليه .
وقد لفت نظري، التناسق بين كلمة الرئيس السيسي والبيان الختامي للقمة العربية الإسلامية حول “الترحيب بإصدار مجلس جامعة الدول العربية علي المستوي الوزاري قرار “الرؤية المشتركة للأمن والتعاون في المنطقة””. فلا يمكننا الحديث عن تصدي ناجح لانفلات إسرائيل بدون تحالف جماعة أمم توازن مسعى الهيمنة الهمجي.
الجهد المطلوب يحتاج أمرين على نفس القدر من الأهمية والصعوبة: ١)تخطي عقود طويلة من عدم الثقة المتبادلة بين دول المنطقة ومن فشل محاولات بناء تنظيم إقليمي. وظني ان فداحة الوضع يمكن أن يصبح محفزا هاما لتخطي هذا الإرث الثقيل. ٢) إعادة طرح سؤال الهوية الإقليمية والعروبة، وتقديم صيغ جديدة لتعريفه تستوعب حقائق المنطقة الجديدة، وهذا جهد فكري تأخرنا فيه كثيرا وعطلنا عنه ذلك الانشغال بالماضي وصراعاته عن الحاضر وتحدياته.
بس ده موضوع تاني محتاج كلام كتير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى