رؤي ومقالات

حمزه الحسن يكتب :نتنياهو العربي

العرب خبراء في انتاج نسخة من العدو سواء كان أمريكياً أو إسرائيلياً أم شرقياً أم محلياً ، وهذه النسخة إما من باب الحقد أو الاعجاب الخفي أو الخوف أو التقليد وهو يعرف بالتماهي : Identification ،
لكن في حالة نسخة نتنياهو العربية بدافع الذعر. لكي تتحاشى العدو تحول الى جزء منه. تظاهر أنك ميت كما تفعل بعض الحيوانات من الرعب.
نجح نتنياهو في اعادة تشكيل الوعي العربي من خلال اشاعة الذعر وبعد كل خطاب تتحول كلماته الى برامج وكوابيس ومخاوف وانذارات مثل:
دعونا من اسرائيل، نتنياهو قال سأعيد تشكيل الشرق الأوسط ــــــــ مع انه عجز عن تشكيل الوعي الاسرائيلي ــــــــــــ العين ما تقاوم المخرز، الضربة الساحقة قادمة، افعلوا كذا لتحاشي نتنياهو الخ وهلم جرا.
قبل أن تصل طائراته، تصل خطاباته. نزع السلاح هو الحل. ركزوا على الخطر الايراني من الشرق. نتياهو حليف وصديق.
ندوات ومؤتمرات ومقالات وقنوات تنذر وتحذر من مخاطر الارتطام بنتنياهو لأنه سيجعل مدننا كغزة وبيروت والحديدة ومدن سوريا. هذا شر فاجتنبوه. مقاومة يعني ماذا؟
ونتنياهو نفسه يعترف قبل أيام ان اسرائيل دخلت في عزلة دولية، في انكار للجريمة، في انتقال ضحية المحرقة الى متهم ومجرم، في انقلاب الصورة في الغرب وفي أمريكا نفسها وفي قطاعات في اسرائيل. إلا في العالم العربي المذعور من ظل نتنياهو.
صرنا نفكر من خلاله، ونحلم من خلاله، ونحلل من خلاله، ونرتجف من خطاباته، لكن كيف تمكن من صناعة وعينا الذي لم تصنعه كل التجارب والعلوم والأفكار والمحن؟
نتنياهو عرفنا أكثر مما عرفنا أنفسنا: عرف أننا شعوب مذعورة من كل شيء، جهزها حكامها للخوف لا للأمل، للانحدار لا للمقاومة. حكام جبناء أنتجوا شعوباً خائفة. تحزن وتتألم وتتضامن بصمت كطقس سري.
نجح نتنياهو في صياغة الوعي العربي كما يريد في حين فشل كل الفلاسفة والمفكرين والادباء العرب، فشلت كل التجارب، كل الأغاني، كل قصائد التاريخ عن العروبة والكرامة والتضحية.
نتنياهو فيلسوف العرب بلا فلسفة بل بأنياب، حكيم بلا حكمة بل يملك طائرات لا ترى، طاغية لكن داهية، روائي بسردية واحدة تصلح للعرب: الرعب والقتل. من يتحاشاه ينجو. اهربوا من نتنياهو. بل اقتربوا منه وحاولوا الاصغاء لما يريد من أجل النجاة، من أجل المستقبل، لا تورطونا معه ، هكذا نقرأ ونسمع من الصباح حتى المساء.
ونتنياهو حتى في اسرائيل في مأزق. تكرر معاريف ، صحيفة اسرائيلية، كل مرة إن نتنياهو يبيع الوهم للاسرائيليين لكنه يجد صعوبة في بلعه حتى من كبار قادة الجيش ومن المعارضة.
نتنياهو يبيع لنا الوهم، خرائط جديدة للشرق الأوسط، هجمات قادمة لا نعرف أين، ونحن نشتري بضاعته لأن الخوف بنية نفسية جاهزة لشراء الوهم وهو يلعب في هذه المساحة ويتسلل من هذه الثغرة.
نتنياهو العربي هو الشخص الوحيد في الشرق الاوسط القادر على جعلنا نفكر كما يريد ونخاف كما يريد ونتذكره في الصباح والمساء بعد أن أنسانا الرعب من نحن ومن نكون وماذا نريد. نتنياهو ليس مغتصباً لأرض فحسب بل لوعي شعوب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى