من وحي المقاطع الصغيرة (الريل ) الىعمق البودكاست ….بقلم دعاء الصالح

من وحي المقاطع الصغيرة (الريل) إلى عمق البودكاست …
في زمن يفيض بالسرعة، صارت الريلات والمقاطع القصيرة جزءًا لا يتجزأ من يومنا. نمرّ بها كما نمرّ بمحطات عابرة، لكن بعضها يترك في القلب أثرًا قويًا، كأن يقول ما نشعر به أو يصف ما نعيشه. نسمع ريل لعزة الغامدي فنشعر أنه يلامس جرحًا بداخلنا، أو نتابع مقطعًا لياسر الحزيمي وهو يقول: “من لا يقدرك لا يستحقك.” عبارة تهز المستمع وتمنحه شعورًا بالقوة، لكنها – كالعادة – مجتزأة من سياق أعمق.
الواقع أن هذه الريلات، على جمالها، مجرد ومضات. خلف كل جملة مؤثرة حديث طويل ممتد في البودكاست أو اللقاء، قد تصل مدته لساعتين. هناك تفاصيل تُسبق عبارة ياسر الحزيمي: مراحل من الصبر، وضبط للتوقعات، وتجريب طرق أخرى قبل الوصول إلى أي قرار جذري. كذلك حين تقول عزة الغامدي: “ليس كل ما يلمع ذهبًا، وبعض العلاقات تحتاج لإعادة تقييم.” فهي لا تدعونا لهدم كل علاقة، بل لتأمل أعمق يوازن بين الإبقاء والتغيير.
لكن الناس اليوم أسرع إلى القطيعة، وأبطأ في الإصلاح.
الفردانية صارت السمة الغالبة، والنفوس تغيّرت في السنوات الأخيرة حتى صار كثيرون يشتكون من قسوة التعامل وصعوبة التفاهم. ومن هنا جاءت خطورة الاكتفاء بالريل، لأنه يوافق هذا الميل الجديد إلى الاختصار: قرار سريع، قطيعة أسرع، وراحة ظاهرية قد تتحول لاحقًا إلى ندم.
إن الهدي النبوي يعلّمنا أن التعامل مع الناس أصعب، لكنه أعظم أجرًا. قال رسول الله ﷺ:
“المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرًا من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم.”
(رواه ابن ماجه وصححه الألباني).
القوة ليست في الانعزال ولا في الهروب من الأذى عند أول احتكاك، بل في الصبر، وفي ضبط النفس، وفي السعي لإصلاح ما يمكن إصلاحه. نعم، قد تأتي لحظة تكون فيها القطيعة ضرورة، لكن هذه اللحظة لا تُختصر في ريل من ثوانٍ، بل تحتاج لرحلة تأمل طويلة.
الريلات تلامس القلب، لكنها لا تكفي. هي مجرد دعوة للتفكر، مفتاح صغير لباب واسع. أما الطريق إلى الحكمة والفائدة الحقيقية، فلا يأتي إلا بالاستماع الكامل، بالبحث عن العمق، وبإعطاء أنفسنا وقتًا لنفهم وننضج قبل أن نقرر.