جمال محمد غيطاس يكتب :النهم والطمع الإماراتي يطارد مستشفى زايد التخصصي فأنقذوها

أصابني الحزن والغم أمس وأنا أتابع ما نُشِر عن أن وزارة الصحة تدرس عرضًا إماراتيًا للحصول على حق إدارة وتشغيل مستشفى زايد التخصصي بمدينة زايد.
أقول ذلك لأنني كمواطن، تعاملت أنا وأسرتي على مدار الـ 13 عامًا الماضية مع هذا المستشفى، وفي ضوء ذلك لا أجد مبررًا واحدًا يدفع وزارة الصحة لنقل مسئوليته الإدارية لأي مستثمر سواء إماراتي أو غيره.
بتفصيل أكثر ….. لقد تعاملت مع قسم الطوارئ وقسم العيادات الخارجية، وقسم العلاج الداخلي في العمليات والتحاليل والمعمل وغيرها، ومع بعض مسئولي الإدارة العليا بالمستشفى، ومن واقع ما شهدته أستطيع القول أنه نموذج قليل وربما نادر لمؤسسة وطنية مملوكة للدولة والشعب، تقدم خدمة تتصف بقدر جيد جدًا من الكفاءة الطبية المتخصصة، والكفاءة الإدارية، من حيث الانضباط والنظام وحسن المعاملة والنظافة والهدوء، والكفاءة الاقتصادية من حيث مستويات الأسعار التي يمكن وصفها بالمعقولة مقارنة بالشياط والانفلات الجاري في المستشفيات الاستثمارية والخاصة.
يفهم من التفاصيل المنشورة عن هذه القضية أننا أمام هجمة من هجمات المال الإماراتي النهم، التي تنتقي أهدافها بدقة، فالمستشفى كيان وطني نجح بأطبائه وإدارييه وفنييه، في تقديم رعاية صحية تحظى برضا المواطن، ولا تكتنفها تعقيدات أو أزمات خانقة، وبالتالي فالنهم الإماراتي يرنو ببصره إلى ما هو ناجح أصلاً، ليمتص أفضل ما في هذا النجاح، وهو الخدمة الجيدة الحاصلة على رضا المواطن، ثم يحيله إلى بقرة حلوب، تحقق له الربح الجاهز السريع، وهنا يأخذ المال الإماراتي في اعتباره أن المستشفى يتعامل في أغلب الأحوال مع الشريحة العليا للطبقة المتوسطة، سواء داخل المدينة أو من يأتي إليه من المحافظات القريبة، كالفيوم وبني سويف وغيرها، وأخيرًا هي في مدينة بها شريحة من الطبقة فاحشة الثراء داخل تجمعاتها السكنية.
يعزز هذه الفرضية أن المعلومات المنشورة عن القضية تشير إلى أن العرض الإماراتي يتضمن إعادة النظر في كيفية استغلال المساحات الفضاء داخل حرم المستشفى، وهي المساحات المخصصة كحدائق ومتنفس للمرضى والمتعاملين مع المستشفى، وأماكن انتظار للسيارات والعديد من الخدمات الأخرى، وبناء ملحق أو ملاحق جديدة، وهذا يعني أننا أمام هجمة استثمار عقاري بغطاء طبي وصحي، وأن لعابهم يسيل مهمومًا بالأرض الفضاء بالمستشفى الواقع في أكثر أماكن زايد تميزًا من حيث القيمة السعرية، والأفضلية المرورية، بأكثر مما هو مهموم برضاء المواطن عن الخدمة، وهو جوهر القيمة الحالية في المستشفى.
الحديث عن إعادة استخدام الأرض يعني أن النهم الإماراتي يرنو ببصره إلى بناء مباني جديدة تقدم خدمة لفائفي الثراء، ويتم فيها التجارة بالصحة بأعلى درجة من الاحتراف، ولا يقيم وزناً للأضرار التي ستصيب التصميم المعماري والإنشائي الحالي الذي يمكن تصنيفه أيضًا بالجيد جدًا من حيث الرؤية البصرية والجمالية والوظيفية.
سيلتهم النهم الإماراتي أراضي المستشفى الفضاء ليقيم كيانًا جديدًا، يقدم فيه خدمة أساسها الربح الفاحش لا خدمة الناس برحمة، ثم يزحف بالطريقة نفسها إلى المبنى الحالي، لنجد أنفسنا بعد عدة سنوات نتعامل مع كيان مالي قاس، لا يرحم مريضًا ولا يحترم قيمة اسمها دور الدولة تجاه مواطنيها، قيمة تحدث حاليًا لكنها ستنسف وتضيع تحت سنابك وأرجل المال الإماراتي.
هي إذن عملية “قنص” مالي بحت، لا شأن لها بمريض أو رعاية صحية.
ما المتوقع عند التهام المستشفى من قبل المال الإماراتي النهم؟
لن تحدث ثورة في الخدمة الطبية المقدمة أو ترتقي في المستوى عما هي عليه، لأنها أصلاً خدمة جيدة المستوى فعلاً، وبالتالي لن يقدم الإماراتيون قيمة مضافة حقيقية تبرر انتقالها إداريًا لهم،
أبرز ما سيحدث أن أسعار الخدمة سترتفع ثلاثة أضعاف على الأقل، لأن النهم الإماراتي يراهن على جيوب الشريحة فاحشة الثراء بالتجمعات السكنية الغنية بزايد، وسيراودها عن نفسها، ببعض التزويق والدعاية وأعمال العلاقات العامة، وبعض الموظفين الجدد ذوي الشعور المسببة والكرافتات الزاهية، وبعض الموظفات ذوات الملابس المحزقة، اللاتي يطغى لديهن الماكياج على المهارة الطبية الحقة، التي نجدها الآن في إخواننا الفضلاء وأخواتنا الفضليات بالمستشفى، ممن يعيشون كما نعيش، ويلبسون كما نلبس، ويأكلون مما نأكل.
سيضيع المشهد المعماري الجميل للمستشفى، والخدمة الطبية الطيبة السمعة، وسندخل المستشفى، فلا نجد أبناءنا وإخواننا وأخواتنا من الأطباء والإداريين والفنيين الذين عشنا معهم طوال الـ 13 عامًا ماضية، وستصبح المستشفى التي كانت بيننا وبينها عاطفة طيبة قوامها الرضا، مجرد مستعمرة إماراتية موحشة، قوامها نهم الربح من قبلهم وسفه الدفع من قبل الأثرياء الجدد.
سيستبدل الإماراتيون الطامعون في الربح كل ما هو حقيقي بكل ما هو زائف، سيصدرون لنا ما يدعون أنهم خبراء طب وإدارة أفذاذ، وما نتصور أنها أجهزة جبارة، في حين أن كل ذلك لن يكون سوى محض تجارة، توسع دائرة المال المشفوط من شريحة ضيقة من الأثرياء، وتضيق دائرة الخدمة المقدمة لشريحة واسعة من المواطنين البسطاء الأقل ثراء.
لو نجح النهم الإماراتي في هذه القضية، فستضيع المستشفى التي يتعامل معها ويحبها أهل “مصر”، وتحل محلها مستعمرة إماراتية قاسية القلب يتفشخر ويتعامل معها ساكنو “إيجيبت”.
تجربة المال الإماراتي في مصر خلال السنوات الماضية تقول إنه مال:
ـــ يتصادم مع روح مصر الأصيلة بحضارتها وطيبتها وجمالها وعبقها وعبقريتها وقوامها الأساسي المتمثل في ناسها الغلابة
ـــ ويتوافق مع غبار اللوادر وكتل الأسمنت التي تتمدد بكل اتجاه، فتجثم على روح مصر دون أن تهتم أو تكترث بشيء اسمه “إنسانية الإنسان” التي هي في الأصل سمة “مصر الطيبة”.
أدعو معي ألا ينجح المال الإماراتي في مسعاه، وألا نصبح يومًا ناسًا من الدرجة الثانية تحت رحمة من هم من الدرجة الأولى الذين أتوا من خارج وطننا ليديرون لنا شئوننا.
وأدعو أن يظل هذا المستشفى على حاله، من الطيبة والدفء والرضا بينه وبين مرضاه ومواطنيه.