فراج إسماعيل يكتب :استجابة لضغوط واشنطن: كيف أفشلت فطر والإمارات قمة الدوحة؟!

عرقلت قطر والإمارات العربية المتحدة خطة مصر لتشكيل قوة دفاع عربية على غرار حلف شمال الأطلسي (الناتو) في قمة الدوحة هذا الأسبوع، مما كشف عن انقسامات عميقة حول الأمن الإقليمي والتهديد الإسرائيلي، حسبما صرح دبلوماسيون مصريون لموقع ميدل إيست الذي يصدر من لندن كموقع مستقل، وواجه اتهامات من السعودية أثناء حصار قطر بأنه ممول منها وهو ما نفاه المسؤولون عنه ويقدم نفسه كمنصة حرة تنتقد الجميع ولا يتلقى تمويلا من أي حكومة، أسسه ويرأس تحريره الصحفي البريطاني المعروف ديفيد هيرست الذي كان قبل ذلك كاتبًا ومحررًا بارزًا في صحيفة The Guardian البريطانية، وعمل أيضًا في The Scotsman. يشتهر بتغطيته لقضايا الشرق الأوسط، وخاصة فلسطين والسعودية وتركيا وبعلاقاته النافذة بمصادر رفيعة في الشرق الأوسط.
قال دبلوماسي مصري كبير للموقع: “اقترحت مصر تشكيل قوة دفاعية إقليمية بموجب معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي لعام 1950، بهدف إنشاء تحالف للرد السريع لحماية الدول الأعضاء من التهديدات الخارجية، وخاصة إسرائيل”. “لكن قطر والإمارات العربية المتحدة عرقلتا الخطة بشكل رئيسي”.
وأضاف الدبلوماسي: “قدم وزير الخارجية بدر عبد العاطي الاقتراح إلى نظرائه في الخليج كخطوة دفاعية لحماية المنطقة دون الاعتماد على قوى أجنبية”.
ووفقًا للمسؤول الكبير، كان الخلاف الرئيسي حول القيادة: أرادت المملكة العربية السعودية تولي القيادة، بينما جادلت مصر بأنها في أفضل وضع نظرًا لخبرتها العسكرية الطويلة.
لكن بعد أيام، وقعت المملكة العربية السعودية اتفاقية دفاع مشترك مع باكستان المسلحة نوويًا، وسط مخاوف متزايدة في الخليج بشأن استعداد الولايات المتحدة لكبح جماح العدوان الإسرائيلي.
كما استبعدت دول الخليج ضم إيران أو تركيا. وفي النهاية، اختارت حصر الأمر في مجلس دفاعها.
وقال الدبلوماسي إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي غادر الدوحة “محبطًا للغاية” بعد رفض دول الخليج لمقترحه.
تواصل موقع ميدل إيست آي مع وزارات الخارجية القطرية والسعودية والإماراتية للتعليق، لكنه لم يتلقَّ أي رد حتى وقت النشر.
خلّفت القمة، التي عُقدت في 15 سبتمبر، وجمعت قادة من جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، استياءً لدى العديد من الدول. عُقد الاجتماع بعد أيام من هجوم إسرائيلي على قيادة الحركة في الدوحة، مما أسفر عن مقتل ستة أشخاص.
وقال الدبلوماسي إن مصر كانت تأمل في اتخاذ خطوات ملموسة، أو على الأقل موقف واضح يطالب بإنهاء الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في Gزة ويرفض أي تهجير قسري للفلسطينيين إلى شمال سيناء.
النفوذ الأمريكي
على الرغم من أن القمة كانت تهدف إلى تقديم جبهة عربية إسلامية موحدة، إلا أن النفوذ الأمريكي شكّل نتائجها، حيث اقتصر التحرك العربي على بيانات دعم غزة وإدانة إسرائيل.
صرح دبلوماسي مصري رفيع المستوى لموقع ميدل إيست آي: “عاد وفد قطري من واشنطن حاملاً رسائل إلى الدول العربية، تطلب عدم اتخاذ أي قرارات ضد إسرائيل”.
وأضاف أن “الأمريكيين وعدوا بأن الرئيس دونالد ترامب سيدير الأزمة ويمنع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من شن هجمات مماثلة على دولة خليجية أخرى”. “وقد أيد الإماراتيون هذا الموقف بقوة”.
وأوضح الدبلوماسي أن دولًا عربية أخرى “وجدت نفسها محاصرة عندما هيمنت قطر، بدعم من الإمارات، على الاجتماع”.
وقال: “لقد قرروا أن أي خطوة ضد إسرائيل ستكون الآن عقيمة، وأن الخيار الأفضل هو دفع الولايات المتحدة للضغط على إسرائيل لوقف الحرب في Gزة”، مضيفًا: “جرت معظم هذه المحادثات بين وزراء خارجية دول الخليج ونظيرهم المصري عبد العاطي، خلف أبواب مغلقة على هامش القمة، ولم يتم الإعلان عنها”.
وندد البيان الختامي للقمة بالضربة الإسرائيلية على الدوحة، لكنه لم يتخذ إجراءً ملموسًا، مما سلط الضوء مرة أخرى على الانقسامات بين الدول العربية حول كيفية الرد على إسرائيل والحرب في Gزة. وبالنسبة لمصر، أكدت النتيجة شعورًا بالعزلة داخل التحالف العربي الأوسع.
انقسامات عميقة
قال محلل سياسي بارز إن رفض اقتراح السيسي كشف عن “انقسامات عميقة داخل العالم العربي حول كيفية مواجهة إسرائيل”.
وقال المحلل لموقع “ميدل إيست آي” شريطة عدم الكشف عن هويته: “اقتصرت القمة على عقد اجتماع لمجلس الدفاع الخليجي، وهي إشارة واضحة للقاهرة على عدم رغبة دول الخليج في دعم مصر”.
وتابع: “بالنسبة لمصر، كانت النتيجة انتكاسة في وقت تمتد فيه التهديدات الإسرائيلية إلى ما هو أبعد من Gزة. كان السيسي يأمل في إبراز مصر كقائدة للدفاع العربي والإسلامي، لكن القمة انتهت دون أي التزامات حاسمة”.
في تصعيدٍ ملحوظ، وصف السيسي إسرائيل بأنها “عدو”، وهي المرة الأولى التي يفعل فيها ذلك منذ توليه منصبه عام 2014، مما يعكس شعور القاهرة المتزايد بالتهديد.
وقال المحلل: “إن تهديدات إسرائيل باستهداف قادة الحركة في القاهرة، واحتمال تهجير الفلسطينيين إلى شمال سيناء، قد أثارت قلق مصر العميق”.
تعود خلفية موقف مصر إلى حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وُقِّعت معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي في القاهرة عام 1950، بهدف توحيد الدول العربية من خلال الأمن الجماعي والتعاون الاقتصادي. وأنشأت المعاهدة مجلس دفاع مشتركًا لتنسيق الاستراتيجيات العسكرية، ومجلسًا اقتصاديًا واجتماعيًا لتعزيز التنمية الإقليمية. وكان مبدأها التوجيهي بسيطًا: أي هجوم على عضو واحد يُعتبر هجومًا على الجميع.
على الرغم من طموحها على الورق، سرعان ما واجهت المعاهدة صعوبة في اكتساب زخم. فقد قوضت التنافسات السياسية، وتضارب الأولويات الوطنية، والنزاعات الإقليمية فعاليتها. ومع مرور الوقت، لجأت الدول الأعضاء إلى اتفاقيات أمنية ثنائية أو قوى خارجية، بدلًا من الاعتماد على المعاهدة.
بعد عقود، وتحديدًا في عام 2015، حاولت مصر إحياء المعاهدة في قمة شرم الشيخ، مقترحةً تشكيل قوة عسكرية عربية موحدة.
ورغم أن الفكرة حظيت بالدعم في البداية، إلا أن الخلافات حول القيادة والتمويل شكّلت عقبةً أخرى.
وأشار المحلل إلى أن “الإخفاقات المتكررة تُبرز التحدي القائم منذ فترة طويلة والمتمثل في تحقيق التماسك العسكري العربي”.
وكانت مصر أيضًا أول دولة عربية تُطبّع العلاقات مع إسرائيل عام 1979 بموجب معاهدة سلام بوساطة أمريكية، إلا أن الرأي العام لا يزال معارضًا إلى حد كبير، حيث لا يزال المصريون ينظرون إلى إسرائيل كعدو.
وفي 12 سبتمبر، أفاد موقع ميدل إيست آي حصريًا أن مصر كشفت عن مؤامرة إسرائيلية لاغتيال قادة الحركة على أراضيها، مُحذّرةً تل أبيب من أن أي محاولة ستُقابل بالقوة. وقد زاد هذا الكشف الأمني الأخير من إلحاح طموحات مصر الدفاعية وقلقها إزاء توسع عمليات إسرائيل.