رؤي ومقالات

حمزه الحسن يكتب :دراويش أمريكا

حكاية الثعلب والعنزة تعود الى الواجهة بنسخة سياسية:
الثعلب هذه المرة أمريكي والعنزة عراقية. تلك الحكاية الجميلة للأطفال التي غذت خيالنا في الطفولة الشقية في المرحلة الابتدائية، عن الثعلب الذي أراد أن يأكل العنزة،
فإخترع عذراً وهو أنها عكرت عليه صفو الماء، مع أن مجرى الماء في الساقية يأتي من جهته هو. كنا نأمل ألا تصدقه العنزة لكن مع الزمن صدقنا نحن الثعلب الأمريكي وعكر علينا الحياة وسرق منا وطناً.
اليوم تقول الولايات المتحدة الأمريكية إنها ستعاقب اللصوص
في العراق لأنهم سرقوا الشعب وتريد نزع السلاح لأنها تريد السطو على ما تبقى من مال بحجة الحنان الطارئ على العراقيين.
كما لو أن هؤلاء اللصوص الذين جمعوهم من شوارع الغرب ليسوا صناعة أمريكية،
كما لو أن الولايات المتحدة تختار عند السيطرة على الدول زعماء من الرهبان المنعزلين والدراويش والزهاد،
في حين في كل الدول التي خضعت للسيطرة الأمريكية يكون الاختيار على حثالات وتافهين ومأجورين بل شرط الاختيار الاول والاخير،
من قرضاي الحشاش الافغاني الى الجنرال رافائيل تريخو الدومينكاني
الذي كان يشرح للوزراء في مجلس الأمن القومي مواعيد الدورة الشهرية
لزوجاتهم وعن علاقاته الجنسية معهن،
وعن سلسه البولي حتى إضطرت خلية من السي آي أيه لاغتياله في الشارع مع أنه عميل براتب شهري ودمية،
ويمكن العودة لرواية” حفلة التيس” للروائي ماريا فارغاس يوسا الحائز على نوبل الذي دقق في الوثائق المخابراتية المفرج عنها ونالت روايته جائزة نوبل لاعادته صياغة السلطة من جديد.
كل وكلاء الولايات المتحدة في امريكا اللاتينية وفي فيتنام ايام الحرب وفي اندونيسيا وسريلانكا وتايلاند والعالم العربي وكوريا الجنوبية وغيرهم هم من سقط المتاع والقاع الأسفل وهو شرط للتحكم بهم كدمى.
على العكس من ذلك قامت بتصفيات واسعة في جميع أنحاء العالم لقادة وطنيين نجباء واغتالتهم أمثال: ماذا فعلوا مع فيديل كاسترو في حصار إجرامي على كوبا تجاوز النصف قرن حتى اليوم؟
لماذا اغتالوا رؤساء دول وطنيين في كل القارات مباشرة
أو تدبير انقلابات كما حدث في الانقلاب في ايران على الدكتور مصدق عام 1953 المنتخب شرعياً لتأميمه النفط،
وفي العراق عام 1963 وفي تشيلي 1973 بقتل الرئيس المنتخب
شرعيا سلفادور الليندي وتنصيب الجنرال السفاح بينوشيت مكانه؟
لا تسمح الولايات المتحدة لزعيم نظيف ووطني أن يحكم دون انقلاب أو اغتيال:
إزاحت الدكتور مصدق 1953 لتاميمه النفط وهرب الشاه، فدبرت له وكالة المخابرات انتفاضة تسمى ثورة العاهرات بدفع مبالغ مالية لعاهرات طهران للخروج في مظاهرات ثم القيام بانقلاب وسجن مصدق،
وتكشف الوثائق السرية فيما بعد أن موته المرضي كان عملية” تصفية حساب”.
أكثر من ألف محاولة اغتيال لكاسترو فاشلة. إغتيال رئيس الكونغو المناضل باتريس لوموبو. الانقلاب وقتل القائد الشجاع والنبيل عبد الكريم قاسم
بانقلاب مخابراتي مدبر كثأر لتأميم النفط والدول التي أسقطته وهي أمريكا وبريطانيا عادت لاحتلال العراق عام 2003 للأسباب نفسها بذريعة طاغية أرعن.
إغتيال كوامي نيكروما رئيس غانا من الشخصيات الافريقية النجيبة.
إغتيال أدواردو موندلين زعيم تحرير حركة موزمبيق.
الانقلاب وقتل الرئيس الشيلي القائد سلفادور الليندي المنتخب.
إغتيال سامورا ميتشيل رئيس الموزمبيق.محاولات الانقلاب المتكررة لرئيس تنزانيا جوليوس نيريري.إعدام المناضل جيفارا.
إغتيال رئيس بنما عمر توريخوس بتفجير طائرته لوقوفه ضد الهيمنة الامريكية من قبل” أبناء آوى ـــ جاكليز”وهو تعبير أمريكي عن رجال الاغتيالات التابعين للـسي آي أيه.
جميع قادة منظمة التحرير الفلسطينية تم اغتيالهم بالتعاون بين الموساد ووكالة المخابرات الامريكية.
في العراق بعد الاحتلال تمت تصفية علماء وكبار الضباط وشخصيات وطنية ورجال قانون من قبل منظمات ارهابية مخترقة او مصنّعة من الوكالة.
كل هذه الاغتيالات موثقة في ملفات سرية مفرج عنها،
وليس بعيداً شبهة إغتيال جمال عبد الناصر وعرفات والملك السعودي فيصل والجنرال الباكستاني ضياء الحق وانديرا غاندي بسبب صفقة سلاح.
هذه معايير الصداقة والعداوة الامريكية ولم ولن تتغير لانها مؤسساتية وشركات كبرى ومصالح.
لا تختار الولايات المتحدة قادة الدول تحت هيمنتها على أساس
النزاهة والوطنية والكفاءة، لا تختارهم من الدراويش والرهبان، بل تلتقطهم مبكراً من البارات والشوارع وتزرعهم لأمد بعيد، ثم يقوم إعلام واسع وحديث بصناعة زعيم منقذ.
هناك مجموعة قواعد أمريكية للتعامل مع العراقيين، وهي نصائح خبراء السفارة في بغداد من علماء نفس وتاريخ ولغات وعلوم اجتماعية واديان وتقاليد واغتيالات وفرق موت وصناع ازمات وحروب اهلية،
وأهم هذه القواعد:
* إذا أردت نهب وقتل العراقي لا تظهر في الواجهة،
لأنه ملقن على الشعارات ووسائل الاعلام وثقافة الحيطان،
البد في العتمة وافعل ما تشاء والاهم أن لا يراك ولا تكون أمامه،
لذلك أخفوا القواعد العسكرية خارج المدن،
ولا يظهر مسؤول أمريكي في الواجهة. لم تظهراسرائيل كطرف مع أنها عنصر رئيس في الصراع ومن خلف ستار.
* اخلق للعراقي عدواً حقيقياً أو متخيلاً، دعه يتعامل معه على أنه العدو الوحيد في حين إنهب ثروته وتحكم بسيادته وأرضه وقادته،
لكن من خلف ستار لكي تمنحهم الهيبة أمام شعب مغرم بالمظاهر،
وبعقل شعاراتي لا يعرف الربط بين ظواهر مختلفة
لكي يصل الى حقائق مخفية وهي خاصية العقل العلمي المركب،
لأن البنية العقلية للعراقي بنية أسطورية، فهو ما زال يربط بين غسق المساء الأحمر وبين الذنوب وبين الغبار وبين الاثم، وهو ما يعرف بالربط السحري.
* عند توجيه التهم والشكوك للولايات المتحدة حول فوضى مدبرة أو إغتيالات ليس عليك كمسؤول في الخارجية الامريكية أو في السفارة سوى:
” الإنكار النظري المختزل”
وهو نص حرفي من وثيقة التوجهات السرية الأمريكية خطة العمل الاستراتيجية طويلة الأمد المعمول بها منذ التسعينات.
من لا يقتنع من العراقيين، عالجه بكاتم صوت او حفلة مفخخات
أو أزمة اقتصادية أو أطلق عليه عدة قنوات عربية تكرر عليه كل ربع ساعة المعلومات المزيفة نفسها
وفي النهاية سيقتنع لأن الدماغ غير قادر على مقاومة
التكرار الطويل وسيحدث الاختراق.
اذا كانت هناك “رؤوس حارة ” تحرض
وترفض هذه الاكاذيب الذهبية هناك ثلاثة حلول:
* التصفية الجسدية، والقاتل طبعاً تنظيم ارهابي مختلق أو تحت اليد.
* التصفية الأخلاقية والتشهير عن طريق عملاء محليين
مأجورين والتركيز على الحساسيات الاخلاقية ، أي معارات الصبيان في مجتمع لا يفحص ولا يسأل عن دليل وشاهد وعن فرصة المتهم
و لا عن محاكمة وقاعة وشهود وشاهد نفي واثبات وبلا ثقافة
قانونية واقية او حتى الحس الحقوقي الفطري، سواق الكراجات في العراق خبراء في تسويق أية تهمة وعندهم مثل يقول” السفالة علم” أي قواعد ونسج قصة وتسويق واسلوب تسويق والخ.
* أو سياسة الإحتواء والدمج والاغراء، وهو الاسلوب الذي خلق نخبة اعلامية وثقافية بديلة، ومنظمات مجتمع مدني ومنابر ومؤسسات مشتراة،
وتم قطع الأذرع الضاربة لهذا البلد كالنقابات وتجماعات النخب الادبية وخلق بدائل انتهازية،
إلا من حفنة مثقفين نبلاء يعوون على قمر بعيد ويظهرون في مهرجان الزور والأقنعة كحفنة مجانين وفي معركة مفتوحة مع الجميع لكنهم أكثر ثقة بالقادم من الأيام ويوم يهدأ التاريخ من عربدته، سيكونون في حفل اطفال لم يولدوا بعد وعن أناشيد في الجذور.
قبل الاحتلال الأمريكي أصدر مئات من العراقيين من أشاعرة وأنقاض سياسيين ونكرات في الخارج ومن بقايا اليسار المنقرض الذين أرادوا تنظيف مسامير توابيتهم الصدئة من النسيان ، أصدروا بيانات تحت عنوان” عيلة الدراويش” وفي أحد بياناتها دعوة لجمع تواقيع للنرويج ” للقبض على حمزة الحسن” لمعارضته مشروع” التحرير الأمريكي” وهو اقتراح قدمه نصاب محترف ولص هارب من العراق وأمي لم يدخل مدرسة في حياته ومنتحل تعلم القراءة في حملة محو الأمية وعمل منظف منزل الشاعر عبد الوهاب البياتي في عمان بأجر شهري ثم افترى عليه بعد موته ونسب له أقوالاً ملفقة، يجر خلفه سيرة ذاتية بشعة. بعد الاحتلال اتضح ان” مكاتب ” متخصصة بالدعاية والتشهير وتسويغ الاحتلال وضعت هذه الحثالات في مواجهة كتاب شرفاء لكي يكون الرد عليهم اهانة وتلويثا.
اذا كان مشروع التحرير القادم لا يسمح بوجهة نظر في قضية الحرب والسلام في المنفى، فماذا ستفعلون بهذا الشعب بعد الاحتلال؟ كان هذا ردنا المختزل. كتبنا في رواية
” سنوات الحريق” الصادرة عام 2000: ” إذا كنتم تمثلون المستقبل، فستكون جلودنا أحذية”.
هذا ما حدث بعد 2003.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى