كتاب وشعراء

غُبارُ الواقِعِ! وَذَوبانُ الزَّمَن!…بقلم حيدر البرهان

عِندَما يَصيرُ العالَمُ غُبارًا على لِسانِكَ،
وَتَظلُّ أُغنيَةُ كَيانِكَ لَمْ تُنْشَدْ،
لا تَتوسَّلْ للخارِجِ كَي يُعيدَ تَرتيبًا،
بل ابدَأِ التَّغييرَ الهادِئَ مِنَ الدّاخِل.

أوَّلًا، لِلعَقلِ الَّذي شابَ وَباتَ باهِتًا،
غُرفَةً صامتَةً حَيثُ جَلَسَتْ كُلُّ الصَّدَى.
لا يَنبَغي أن تَستَرحِمَ البَرقَ مِنَ السَّماءِ،
بل اضرِبْ قَدْحَةَ الفِكرِ الَّتي نامَتْ في داخِلِكَ.

اِذهَبْ، أَثِرْها بِفَنٍّ لِغَريبٍ،
بِمَفهومٍ يَغربُ عَنِ الفُؤادِ وَالرَّأسِ.
عَرِّضْها لِحَقيقةٍ لا تَعرِفُها،
حَتّى تَحسَّ دَوائِرَ قَديمَةً مُتألِّقَةً صَدِئَتْ.
ثُمَّ اِفتَحها — نافِذَةً، صافِيَةً رَحبَةً —
وَحَيِّ ذَلِكَ الجَوَّ المُثيرَ المُقَرِّبَا.

فَالإِلهامُ لا يُوجَدُ،
بل يُصنَعُ،
مِنَ النُّورِ الَّذي يُدعى إِلى الظِّلِّ فَيُنزَعْ.

ثُمَّ، لِلأَسىَ الَّذي يَختَزِنُهُ الجَسَدُ،
في عِظامٍ كَلَّتْ حَيثُ أَلَمٌ كَليلٌ يَرقُدُ.
لا يُمكِنُكَ أن تَطلُبَ
مِنَ العاصِفَةِ أن تَكُفَّ نَفَسًا،
بل ابْنِ مَأوى في ذَاتِكَ مِنَ المَوْتِ.

لا تَأمُرْ شُعورًا بِأن يَرحَلَ طائِرًا؛
بل غَذِّ الوِعاءَ في اللَّيلِ بَدَلًا.

أَعطِهِ أَرضًا طَيِّبَةً،
وَماءً فُراتًا، وَخُبزًا صالِحًا،
وَماكانًا رَفيقًا يَضَعُ رَأسَهُ المُتعَبَ.

ثُمَّ حَرِّكْهُ — لَيسَ بِغَضَبٍ، بل بِلُطفٍ —
حَتّى يَجِدَ الفُؤادُ إيقاعَهُ الَّذي نَسِيَ.
فَالسَّعادةُ لَيسَتْ جائِزَةً بَعيدَةً،
بل هِيَ الحِكمَةُ الَّتي يَنطِقُ بِها الجَسَدُ الواعِي.

أَخيرًا، لِلقَلبِ الَّذي يَتَرَدَّدُ عَنِ المُحاوَلَةِ،
الَّذي يَنظُرُ إِلى المُهِمَّةِ بِتَنَهُّدٍ خَدِرٍ.
لا يُمكِنُكَ إِجبارُ نارٍ عَلى أن تَشتَعِلَ،
بل يَجِبُ أن تَبحَثَ عَنِ الشَّرارةِ في الدّاخِل.
جِدْها في جَمراتِ بَهجَةٍ قَديمَةٍ،
أَو حُبٍّ دَفينٍ، أَو كِفاحٍ طَواهُ النِّسيانُ.

أَطلِقْها مِن قَفصِ الخَوفِ وَالعارِ،
وَمِنَ الهُمُساتِ الَّتي تَأمُرُكَ أن تَكونَ حَذِرًا.
ثُمَّ اِحتضِنْ خَفَقاتِهِ المُتَأَرْجِحَةَ الجامِحَةَ،
دَقّاتِ القَلبِ المُرعِبَةَ المَجيدَةَ الصّادِقَةَ.
فَالحافِزُ لَيسَ أَمرًا يُملَى،
بل هُوَ أن تَمسِكَ بِيدِكَ المُرتَعِشَةَ بِيدِ.

إِذَن، ثَلاثَةُ أَبوابٍ تَقِفُ في رُوحِكَ المُنتَظِرَةِ:
نُورُ العَقلِ الجَديدِ، وَشِفاءُ الجَسَدِ،
نَبضُ القَلبِ الشُّجاع — وَالخِيارُ لَكَ لِتَبدَأ.
لِتُرمِّمَ العالَمَ،
أَوَّلًا وَقَبلَ كُلِّ شَيءٍ رَمِّمْ عالَمَكَ الَّذي هُوَ أَنتَ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى