رؤي ومقالات

د.فيروزالولي تكتب :”وفد التوك توك إلى الأمم المتحدة!”

إذا كنت تعتقد أن أسوأ ما حدث في اليمن هو الحرب، ففكر مجددًا… الأسوأ قادم على شكل “وفد رسمي” يرتدي بدلات ضيقة، يضع فلتر إنستغرام على وجهه، ويتحدث عن مستقبل اليمن وكأنه يسوّق لعرض بيتزا “اشترِ واحدة واحصل على الثانية بنصف سعر الوديعة”.
أهلاً بكم في أحدث عروض السيرك السياسي اليمني — هذه المرة من على منصة الأمم المتحدة! حيث اختلطت السياسة بالفاشن، والكارثة بالفلترة، وملف حقوق الإنسان بمسابقة من يرتدي “الكوستيوم” الأغلى!
جمهورية المؤثرين المتحدة!
على مرّ السنين، شهدنا تحول بعض الحكومات إلى مهزلة، لكن ما يحدث اليوم يتجاوز كل ما كتبه جورج أورويل أو حتى ما تخيله أي كاتب كوابيس. وفد يمثل بلدًا يعاني المجاعة، البطالة، الانهيار الاقتصادي، وانقطاع المرتبات منذ شهور، يتكوّن من مجموعة من “مشاهير السوشيال ميديا” الذين كانت أبرز إنجازاتهم في الحياة هو تحدي “منشن صديقك اللي يختفي وقت الجد”.
لا أحد منهم يعرف شيئًا عن القانون الدولي، ولا حتى كيف تُكتب كلمة “سيادة” بالإنجليزي، لكنهم يعرفون جيدًا أي زاوية تصوير تُخفي الكرش، وأي فندق يقدم الواي فاي المجاني لإكمال البث المباشر.
ثلاثة مليون دولار… لمسرحية هزلية
بينما ينتظر الموظف نصف راتب يتيم كأنه منحة من الأمم المتحدة نفسها، تصرف الحكومة المنفية ما يقارب ثلاثة مليون دولار لتغطي تكاليف وفد “بلا قضية وبلا قيمة”، كأننا في مزاد نخاسة دولي، لا في مؤتمر دولي يُفترض أن يناقش مستقبل دولة منسية.
والسؤال هنا: ما الفائدة؟ ما الإنجاز؟ هل تحرك ملف الأسرى؟ هل تم استدعاء المجتمع الدولي لإغاثة الناس؟ هل صدرت بيانات صلبة؟ لا شيء. كل ما حدث هو أنهم أثبتوا أننا كدولة، دخلنا مرحلة “التمثيل بالنيابة عن الوجع”.
دبلوماسية البوفيه المفتوح
لا تتوقع من أحدهم أن يتحدث عن الحصار أو الجرائم أو الفقر المدقع، فهم مشغولون بترتيب طاولة الإفطار في بهو الفندق قبل النزول إلى “جلسة التصوير الأممية”.
وإذا تحدث أحدهم، ستجده يكرر مصطلحات من نوع: “يجب أن نجد حلًا شاملًا ومستدامًا”، بينما في الواقع، هو لا يستطيع حل مشكلة بطاقته البنكية التي لا تعمل في جهاز السحب الآلي.
هم ليسوا دبلوماسيين، بل شخصيات عامة تم اختيارها على طريقة “من لديه أكثر عدد متابعين”، وكأن القضية اليمنية أصبحت مسابقة شهرة لا معركة وجود.
تمثيل بلا تمثيل
من وضع هؤلاء؟ من يعتقد أن من يروّج لمكياج في تيك توك يمكنه التفاوض باسم شعب جائع؟ هل أصبح تمثيل الدول في الأمم المتحدة يعتمد على الفلاتر واللايكات؟
نحن لا نطلب المستحيل. فقط نطلب أن يُمثَّل اليمن بشرف، لا بشخصيات تبحث عن الإقامة الذهبية لا السلام، وعن العلاقات العامة لا العلاقات الدولية.
الخاتمة:
ما حدث في نيويورك ليس وفدًا رسميًا، بل نكتة ثقيلة في كتاب التاريخ اليمني الحديث. كل ظهور لهم في المحافل الدولية هو طعنة معنوية للمواطن الذي يبيع ممتلكاته ليشتري علاجًا أو قنينة غاز.
وفي النهاية، نقولها بكل وضوح: اليمن ليست بحاجة إلى مهرجين يرتدون بدلات، بل إلى رجال يرتدون المبدأ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى