كتاب وشعراء

مَرَايَا الغَابَةِ…بقلم حيدر البرهان

أَقِفُ أَمَامَ الغَابَةِ.
تَنْبَسِطُ أَمَامِي كَسؤالٍ كَبِيرٍ: مَاذَا وَرَاءَكِ؟
هَلْ سِرٌّ مُطْمَسٌ، أَمْ انْعِكَاسٌ لِقَلَقِي؟
هَلْ هُوَ الْهُرُوبُ أَمِ الِالْتِقَاءُ بِذَاتِي؟

يَعْتَرِينِي اضْطِرَابٌ مُفَاجِئٌ.
يَرْتَعِشُ فِي أَصَابِعِي، يَصْعَدُ إِلَى أَضْلَاعِي،
يَجُرُّنِي نَحْوَكِ كَالنَّهْرِ إِلَى البَحْرِ.
هُوَ لُغْزُ الْمَجْهُولِ:
جَمَالُهُ يُرْعِدُ، وَفَزَعُهُ يَسْحَرُ.

فِي أَعْمَاقِ هَذِهِ الْغَابَةِ،
تَتَهَشَّمُ هُوِيَّتِي الْمُشَوَّشَةُ.
أَصِيرُ مِرْآةً مُحَطَّمَةً،
كُلُّ قِطْعَةٍ مِنِّي تَرْوِي رِوَايَةً:
أَنَا الصَّوْتُ وَالصَّمْتُ.
أَنَا الطَّفَلَةُ الَّتِي فَقَدَتْ بَرَاءَتَهَا فِي لَحْظَةِ اسْتِيقَاظٍ.
أَنَا الصُّورَةُ الَّتِي تَتَكَسَّرُ فِي المَاءِ.

هَذِهِ الْغَابَةُ هِيَ الْحَيَاةُ.
مَسْرَحٌ مِنَ الظِّلاَلِ وَالنُّورِ،
حَيْثُ الْخُطْوَةُ تُنْشِئُ دَرْبَهَا مِنْ لا شَيْءَ.
الْمَسَاءُ يُغَطِّينِي بِعَبَاءَتِهِ البَنَفْسَجِيَّةِ،
وَالأَشْجَارُ تُهَمْهِمُ بِلُغَةِ الْخَلِيقَةِ الْأُولَى.

لَا مَفَرَّ مِنَ الضَّيَاعِ هُنَا.
إِنَّهُ الطَّرِيقُ الْوَحِيدُ لِكَيْ تَخْلُقَ نَفْسَكَ مِنْ جَدِيدٍ.
أَسْئِلَةٌ بِلا أَجْوِبَةٍ،
وَأَجْوِبَةٌ تَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهَا أَسْئِلَةً جَدِيدَةً.
الْوُجُودُ وَالْعَدَمُ يَلْعَبَانِ عَلَى حَافَّةِ الْهَوَاءِ.

لِذَلِكَ…
لْنَغُصْ أَعْمَقَ.
لَا تَخَفِ اضْطِرَابَكَ، فَهُوَ بَصِيرَتُكَ.
لَا تَخَفِ غَابَتَكَ، فَهِيَ مِرْآتُكَ.
السَّيْرُ نَفْسُهُ هُوَ الْوُصُولُ.
وَالتَّأَمُّلُ فِي الْغُمُوضِ هُوَ الْإِجَابَةُ.

امْضِ قُدُمًا.
ابْنِ دَرْبَكَ مِنْ ضَبَابِ أَسْئِلَتِكَ.
فَوْقَكَ النُّجُومُ تَنْتَثِرُ كَأَحْلَامٍ،
وَتَحْتَكَ الْأَرْضُ تُفَتِّحُ عَنْ كُنُوزِهَا.
وَبَيْنَهُمَا،
تَقِفُ أَنْتَ:
كَائِنًا يَسْأَلُ،
يَخْشَى،
يَشْجُو،
ثُمَّ يَمْضِي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى