الشيخ الشاب…..بقلم أحمد البياسي

شيخٌ أنا وقلبي شاب،
أحمل جُعبتي على ظهري..
لحيتي الكثّة أخفت ملامحي،
لكن هل استطاعت أن تُبدّلها؟!
ملابسي مهترئة كذلك،
لقد رقّعتها بجلدي ولم أُبالِ!
يتجاهلني الناس..
لا أدري: هل تعمّدوا ذلك حقًا؟
أم أنها طبيعتهم الحقيقية؟
ففففف ، الحيرة تجوب رأسي،
أقف في وسط الميدان وحيدًا.
نعم.. أضعف أحيانًا،
أريد قليلًا من الاحتواء،
لا، بل بعض الاهتمام فقط يكفيني.
أنظر للسماء ولا أبكي..
أحيانًا دموع المرء داخله أولى بها،
خاصة عندما لا يقايضه أحد على مشاعره.
لذلك إلى جوفي دموعي دائمًا تسقط!
في منتصف الطريق أجثو على ركبتي،
أُنزِل جعبتي وأفتحها.
هنا يبدأ الأطفال يجتمعون حولي..
دائمًا الأطفال فضوليون،
أشعر بهم وأنا أرى اللهفة في عيونهم.
أدُس يدي في جعبتي،
ثم أُخرج لهم بعض السعادة.
لقد تحوّلت لهفتهم!
الآن أرى الانبهار يعلو وجوههم،
تزداد الحماسة، ترتفع الضحكات.
أرفع السعادة في الهواء،
ثم أدعها تتساقط عليهم،
فيبتسمون.
هنا يأتيني الكبار من رجال ونساء،
يريدون أن يحصلوا على نصيبهم..
“نصيبهم من سعادتي!”
فهل أُمانع؟
هل هي فرصتي لأشعر بقيمتي؟
لأدرك مدى احتياجهم لشخصي؟
لأشعر بأني مرغوب؟
ثم لا أُمانع!
أُخرج لهم الفرح بكامل رغبتي،
أُنادي بصوت يملأُه الحنين:
\_ اقتربوا.. اقتربوا.
خذ يا هذا اعتزازي.
وأنتِ، خذي أيضًا.. لا تخجلين،
هذا بعض امتناني.
كلكم تفضّلوا،
اقتسموا طاقاتي كاملة بينكم.
ثم يعودون مرة أخرى يطلبون المزيد..
يدّعي بعضهم أنه لم يأخذ نصيبه بعد،
فأعطيه أكثر.
أستمر بعدها أوزّع الانتشاء،
وأنا أراهم يقفزون من السعادة،
يريدون معانقة السماء.
أخيرًا.. أُخرج لهم قلبي،
ليتقاذفوه فيما بينهم.
لأجد حالة غريبة تنتاب المكان..
لقد امتلأ الميدان الفارغ،
لقد بدا كصباح العيد!
الآن لم يعد معي شيء آخر أعطيه..
وكذلك هم لم يشركوني معهم،
مع أن الفرحة كانت لي في الأصل!
أصبح الجميع مشغولون بالسعادة عني.
ولا زلت جاثيًا،
أضع أصابعي على وجنتي،
أنظر لجعبتي قبل أن أغلقها،
فأجد الأحزان فيها ترتعش..
تريد هي الأخرى أن تخرج.
أطيل النظر إليها،
تسحبني أفكار غريبة،
لا أُفلت منها إلا على صوت الأحزان تقول:
“هيا أخرجنا..
كما أخرجت الفرح وإخوته.
هيا وزّعنا..
ليُقال عنك صانع الحزن أيضًا.
هيا أيها الوحيد المنبوذ،
أم بلقب صانع البهجة اكتفيت؟!”
ألتفت، فأجد الجميع مستمرون في فرحتهم:
الرجال والنساء يتسامرون،
الأطفال يلعبون ويقفزون،
الضحكات تملأ المكان.
إنهم لا يبالون بالبرد أو الغيوم،
الجو أضحى لهم بهيجًا.
والأحزان في جعبتي تثور..
صوتها يعلو، تصرخ بعنف:
“أخرجنا.. وزّعنا!”
ششش..
أغلق عليهم الجعبة في صمت،
أحملها على ظهري.
“لا أحد يشعر بي.”
أنسحب من بينهم رويدًا..
أبتعد.. ألتفت،
ألقي نظرة أخيرة في شغف.
نعم، لم يلتفت إلي أحد كالعادة.
“انتهت مهمتي.”
ها أنا أرحل،
كأنني لم أكن موجودًا منذ ثوانٍ.
صوت يردد داخلي:
هل سيذكرك أحدهم؟
وإذا تذكرك، كم ستبقى من الوقت داخله؟
ويظل الأمل كما الألم بداخلي..
مثل كل مسكين متمسك بالحياة،
الأمل الذي نخدع به أنفسنا،
في صيغة أسئلة عبثية متكررة.