مرآةُ الغياب .. بحر المتدارك …بقلم فخر بني مجد

تُحدّقُ في الماءِ، ضوءٌ غريبٌ
يذوبُ، وفي عينِها ما تَبَتْ
تمدُّ يديها لجذرٍ قديمٍ
كأنَّ الحياةَ به قد فَنَتْ
تحاكي السكونَ وتُبقي دموعًا
كزهرٍ على وجنتيها بَكَتْ
خيالٌ يلوذُ بموجِ سرابٍ
إذا لاحَ عادَ كسيفٍ نَكَسْتْ
تُفكّر: هل مرَّ طيفٌ هنا؟
أمِ الذكرُ في مقلتيها انْدَثَتْ؟
تُقايضُ صمتَ المساءاتِ عمرًا
وتسقي أمانيها ما جَفَتْ
تُخبّئُ في صدرِها ذكرياتٍ
كماءٍ تجمّدَ ثم انْحَبَسَتْ
وفي خدِّها زهرةٌ تستغيثُ
كأنَّ البداياتِ حتمًا فَنَتْ
رأيتُ انكسارَ المدى في انحناءٍ
كأنّ السنينَ على الدربِ مَتْ
وجلستُ أراقبُها من بعيدٍ
وفي خاطري صرخةٌ ما سَكَتْ
أنا “فخرُ بني مجدٍ” إنّي
أراها بقلبي إذا ما غَفَتْ
ولمّا اصطفتْني على هامشِ الحُلمِ
رأيتُ حياتيَ فيها اخْتَلَتْ
فمنذُ اتّخذنا الظلالَ منازلْ
توارى الحنينُ، وذابتْ شَتَتْ
ومن تحتها وردةٌ تستكينُ
تُقلّدُ خطوًا، ولمّا اكْتَمَلَتْ
كأنَّ الصباحَ خجولُ النوافذِ
يُسَرِّبُ أنَّ النجومَ نَسَتْ
تُحادثُ ظلَّ الغيابِ وحيدًا
فتسأل: من بعدَهم من بَقَتْ؟
أتنسى المدى خُطاها إذا ما
مشت؟ أم تُغنّي بها ما احْتَفَتْ؟
كأنَّ الغيومَ على كتفَيها
دعاءٌ، ولكنْ غدا وانْدَثَتْ
تعيدُ الجراحَ على دفترِ الماءِ
حروفًا كمدٍّ على ما جَرَتْ
ولا أحدٌ في الطريقِ يراها
سوى صمتِها حينَ قامتْ وبَكَتْ
وكم طفلةٍ في المآقي تُخبّي
صدى أمِّها حينَ قامتْ ومَضَتْ
وكم شَبَهٍ في الملامحِ يبدو
كأنّ اليتامى على الدربِ نَتَتْ
فمن قال إنَّ البكاءَ انكسارٌ؟
إذا الدمعُ صارَ رجاءً صَمَتْ
ومن قال إنَّ العزوفَ انقضاءٌ؟
إذا وردةُ الشوقِ ما ذَا بَلَتْ؟
وفي كلِّ صمتٍ بقايا كلامٍ
وفي كلِّ دمعٍ نجومٌ سَقَتْ..