فيس وتويتر

حسام السيسي يكتب :اتفاق وقف الحرب: هدنة إنسانية أم إعلان هزيمة عربية؟

منذ اللحظة التي خرج فيها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليعلن اتفاق وقف الحرب في غزة، بدت العواصم العربية والإسلامية وكأنها تتنفس الصعداء. بعضهم اعتبره فرصة لالتقاط الأنفاس، وآخرون وصفوه بـ”الهدنة المفخخة”. لكن جوهر المسألة لا يكمن في نصوص الاتفاق التي قد تُخرق في اليوم التالي، وإنما في السياق الأوسع: سياق الهزيمة الممتدة التي لم تبدأ اليوم، بل تراكمت منذ نصف قرن.
فالعرب لم يُهزموا في غزة عام 2025، بل هُزموا منذ أن افتقدوا مشروعًا استراتيجيًا لبناء القوة. لحظة كامب ديفيد 1979 ، تلتها أوسلو 1993 ووادي عربة 1994، وصولًا إلى مسار التطبيع الذي فرّغ القضية من عمقها العربي وحوّلها إلى ملف إداري يُدار بالوساطات والبيانات.
طوال هذه العقود لم تنجح أي عاصمة عربية كبرى في بناء منظومة ردع مستقلة، بينما كانت طهران تطوّر صواريخها الباليستية وتبني معادلة ردع، وتركيا تستثمر في صناعة دفاعية متقدمة، فيما بقيت الجيوش العربية أسيرة الاستيراد وشروط المورّدين.
اللحظة المفصلية جاءت حين تعرّضت المنشآت النووية الإيرانية للقصف الأميركي–الإسرائيلي. ما أعقبها من ارتباك إقليمي كشف أن المنطقة بأسرها تعيش تحت سقف الخوف: تركيا تراجعت، الخليج اهتزّ مع ضرب الدوحة ، وحدها غزة واصلت القتال، عارية من الغطاء العربي، لكنها مسنودة بإرادة مقاتليها. المفارقة الصارخة أن الكيان الصغير المحاصر صمد، بينما الأنظمة الغنية بالموارد والطموحات ارتجفت أمام اختبار الردع الحقيقي.
قبول المقاومة الفلسطينية بالاتفاق – رغم مجحفاته – قد يكون ضرورة إنسانية لإنقاذ ما تبقى من المدنيين والأطفال، لكنه لا يجب أن يُقرأ كاعتراف بالهزيمة. غزة لم تُهزم؛ بل نزفت وهي تدافع عن حقها في الوجود. إسرائيل لم تنتصر؛ خسرت مئة مليار دولار، تصدعت صورتها العسكرية، وتآكلت شرعيتها الدولية. الهزيمة الكبرى تقع على كاهل النظام العربي الرسمي، الذي أثبت عجزه عن إنتاج حتى “سلاح يتيم” يوحّد إرادته، أو مشروع استراتيجي يحمي مستقبله.
التاريخ سيكتب أن غزة صمدت، وأن إسرائيل تآكلت من الداخل، لكن سيكتب أيضًا أن الأنظمة العربية هي التي انهارت معنويًا واستراتيجيًا حين سلّمت أوراقها بيد غيرها. في لحظة كهذه يصبح السؤال الحقيقي: هل نحن أمام هدنة لإنقاذ ما تبقى من البشر، أم أمام إعلان رسمي عن إفلاس مشروع عربي طال انتظاره؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى