د.هشام عوكل يكتب :قراءة نقدية لخطة ترمب للسلام

حضرت المؤتمر الصحفي بين ترامب ونتنياهو أو بالأحرى شاهدت عرضاً مسرحياً رديئاً بعنوان: “خطة السلام”. ترامب يتحدث عن غزة كما لو أنها قطعة أرض في مزاد علني ونتنياهو يبتسم ابتسامة من يعرف أن الضيف الأميركي يقدم له على طبق من فضة ما عجزت حكومات إسرائيل السابقة عن انتزاعه
الخطة التي صاغها الرئيس ترامب وقدّمها كـ”حل شامل” لصراع غزة، تبدو للوهلة الأولى متماسكة من حيث التسلسل والآليات: وقف إطلاق نار، تبادل رهائن وأسرى إعادة إعمار قوة استقرار دولية نزع سلاح ثم أفق اقتصادي جديد. لكن عند التمحيص، يظهر أنها أقرب إلى وثيقة إدارة أزمة أمنية منها إلى مشروع تسوية سياسية.
أولاً: نقاط القوة
الطابع الإجرائي الواضح: الخطة تفصيلية وتحدد جداول زمنية (72 ساعة لإطلاق الرهائن مراحل انسحاب الجيش الإسرائيلي آلية إدخال المساعدات). هذا يعطيها طابعاً عملياً يمكن تنفيذه على الأرض.
تضمين عناصر إنسانية: إدخال مساعدات فورية إعادة إعمار البنية التحتية دعم المستشفيات والمخابز وإطلاق الأسرى الفلسطينيين، كلها خطوات تعطي انطباعاً بالجدية تجاه معاناة المدنيين.
الانفتاح على مظلة دولية: الحديث عن “مجلس السلام” بقيادة ترامب مع شخصيات دولية (توني بلير) وقوة استقرار دولية يمنح الخطة شكلاً من أشكال التعددية حتى لو بقيت القيادة الفعلية أميركية.
العرض الاقتصادي: فكرة منطقة اقتصادية خاصة وخطة تنمية تعكس أسلوب ترامب في تقديم “السلام عبر الرخاء” وهو خطاب جذاب لبعض الفئات الدولية.
ثانياً: نقاط الضعف والثغرات الجوهرية
الغياب الفاضح للطرف الفلسطيني:
لم يُستشر الفلسطينيون كطرف أساسي لا حماس ولا السلطة ولا الفصائل.
الخطة تتعامل مع غزة كساحة إدارية يُعاد تشكيلها من الخارج لا كجزء من مشروع وطني فلسطيني.
تجاهل مشروع الدولة الفلسطينية:
لا حديث واضح عن دولة فلسطينية أو حق تقرير المصير إلا في البند 19، وبصورة مشروطة وفضفاضة (“قد تتوافر الظروف…”).
هذا يعني أن القضية الوطنية تُختزل في تحسين الخدمات والأمن دون أفق سياسي حقيقي.
تهميش السلطة الوطنية الفلسطينية:
لم يُذكر أي دور للسلطة في إدارة غزة خلال المرحلة الانتقالية، بل جرى الحديث عن “لجنة تكنوقراطية تحت إشراف دولي”.
هذا يُضعف شرعية أي عملية لاحقة ويُعمّق الانقسام الفلسطيني بين غزة والضفة.
فصل الضفة عن غزة:
الخطة لم تتطرق أبداً إلى إعادة الربط الجغرافي والسياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
وكأن غزة تُدار ككيان مستقل ما يخدم الرؤية الإسرائيلية بفصل المسارين وقطع الطريق على قيام دولة فلسطينية متكاملة.
أمننة الحل بالكامل:
مركز الثقل في الخطة هو الأمن: نزع سلاح، مراقبين دوليين، قوة استقرار ممرات آمنة.
بينما تُترك قضايا السيادة والحقوق الوطنية غائبة وكأن الفلسطينيين مجرد “مجموع سكاني” بحاجة إلى ضبط أمني وخدمات.
شخصنة العملية:
وجود ترامب نفسه رئيساً لـ”مجلس السلام” يعكس نزعة استعراضية أكثر منها ضمانة سياسية.
إدخال توني بلير المعروف بدوره في مشاريع إعادة إعمار سابقة لم تحقق تقدماً ملموساً يثير تساؤلات حول الجدية. اما الحديث عن تبادل الاسرى فسالة تحصيل حاصل للارضاء الشارع الاسرائيلي ام الجانب الفلسطيني لاحول ولاقوة لة ومسالة اعتداز لدولة قطر من قبل نتنياهو ؟
غياب الضمانات القانونية والسياسية:
لا يوجد إطار قانوني دولي ملزم (مثل قرارات مجلس الأمن) يضمن التنفيذ.
إسرائيل تُمنح أدواراً واضحة بينما التزاماتها مشروطة وقابلة للتأويل.
ثالثاً: الاستنتاج
الخطة ليست “سلاماً” بالمعنى السياسي بل هدنة مشروطة تهدف إلى:
نزع سلاح حماس وإخراجها من المشهد السياسي.
إعادة إعمار غزة بتمويل دولي ضمن يمكن ان يكون عربيا حوكمة انتقالية تُدار من الخارج.
تأمين حدود إسرائيل ومصر.
أما القضية الفلسطينية المركزية – الدولة، السيادة وحدة الأرض والشعب – فهي غائبة. ومن هنا، يمكن القول إن الخطة تمثل إدارة أزمة قصيرة–متوسطة المدى، لا حلاً استراتيجياً للصراع الفلسطيني–الإسرائيلي.