د.فيروزالولي تكتب :”من حفرة الحوثي إلى دحديرة الشرعية: إعادة التدوير الكبرى!”

في اليمن، لا يبدو أن المواطن ينتقل من حكم إلى حكم، بل من مصيبة إلى كارثة، ومن سلطة قمعية تتغنى بـ”الحق الإلهي”، إلى أخرى تُجيد تدوير وجوه الفساد نفسه، بمسميات حديثة ودعم إقليمي متقاطع. وبين “المشرف الحوثي” و”المشرف الشرعي”، فرق في الزيّ فقط، أما النتيجة واحدة: جمهورية القهر الشامل.
الحوثي: سلطة القمع المؤدلج
عندما ظهرت جماعة الحوثي بشعارات “نصرة المستضعفين”، لم يتوقع اليمنيون أنهم سيجدون أنفسهم لاحقًا في سجن كبير، تديره جماعة توزع صكوك الوطنية من صنعاء، وتُمارس القمع اليومي بنَفَسٍ “قرآني” يخلط بين الخطبة والجلد.
بحسب تقرير حقوقي صادر عن منظمة Rights Radar لعام 2025، تتحمل جماعة الحوثي مسؤولية 97% من حالات الوفاة تحت التعذيب في السجون اليمنية، منها حالات استهدفت نساءً وأطفالًا في مناطق سيطرتها الممتدة من صعدة إلى الحديدة[^1].
كما وثّقت اللجنة الوطنية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في تقريرها السنوي لعام 2024 آلاف الانتهاكات، أبرزها الاعتقال التعسفي، قمع الحريات، تقييد حرية الصحافة، واستحداث جهاز إداري موازي تحت اسم “المشرف”، وهو منصب خارج الدستور اليمني ولا يخضع لأي مساءلة[^2].
الشرعية: سلطة التدوير والتقاسم
إذا كان الحوثي قد صادر الدولة باسم “الحق الإلهي”، فإن الشرعية صادرت الأمل باسم “استعادة الدولة”، بينما تمارس ذات العبث، ولكن بتصريحات مطلية بلغة المجتمع الدولي، ووعود لا تنتهي.
كشف تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة (2023) عن اختفاء أكثر من 500 مليار ريال يمني من موازنات مؤسسات حكومية تديرها “الشرعية”، بما في ذلك مخصصات تشغيلية لمكاتب مغلقة في عدن والقاهرة والرياض[^3].
أما على الصعيد العسكري، فتقرير فريق الخبراء الأممي المعني باليمن لعام 2024 أشار إلى فساد ممنهج في قطاع الدعم اللوجستي، يشمل توريد أسلحة وهمية ورواتب لجنود غير موجودين، فيما يُعرف بـ”الجنود الأشباح”[^4].
دستورية من ورق!
دستوريًا، لا تختلف ممارسات سلطات الأمر الواقع – الحوثية والشرعية على حد سواء – عن بعضها كثيرًا. فالمادة (4) من دستور الجمهورية اليمنية تنص على أن “الشعب مصدر السلطة ومالكها”، لكن الواقع يُكرّس سلطة نُخب مغتربة، تتخذ قرارات مصيرية من عواصم الخارج، دون أي رقابة أو انتخابات[^5].
مثال على ذلك، القرار الجمهوري رقم (78) لسنة 2023 القاضي بتعيين شخصية ورد اسمها في تقارير فساد عام 2016 كمستشار رئاسي، يُجسّد منطق “إعادة التدوير”، حيث يتحول المتهم بالفساد إلى صاحب “خبرات وطنية”[^6].
إعادة التدوير الكبرى!
ما يجمع بين سلطتي الحوثي والشرعية ليس فقط الفساد، بل أيضًا الاحتقار الفعلي للمواطن اليمني. فالخدمات غائبة، الرواتب مقطوعة، والقوانين أصبحت شعارات تُعلّق في المؤتمرات، بينما يتم تفصيل القرارات حسب الولاء والقرابة.
تقارير منظمة هيومن رايتس ووتش الصادرة بين عامي 2022 و2025، أكدت أن اليمن أصبح ساحة مفتوحة لانتهاك كافة مبادئ القانون الدولي الإنساني، وسط غياب شبه تام للمساءلة من جميع الأطراف[^7].
أما المحكمة الدستورية؟ فهي مؤجلة إلى إشعار غير معلوم، مثلها مثل الدولة، والجمهورية، والحلم!
خاتمة: من المسؤول؟
من الحُفَر إلى الدحديرات، يتدحرج اليمني بين سلطات فاشلة، لا يجمع بينها شيء أكثر من أنها جميعًا تحتقر الدستور، وتحتال على القانون، وتدّعي تمثيل الشعب وهي تخشاه.
ربما آن الأوان لنسأل:
هل نحتاج إلى تغيير الأشخاص؟ أم المنظومة برمتها؟
أم أن ما نعيشه اليوم هو أكبر من مجرد أزمة سياسية؟
ربما نحن ببساطة في مرحلة: ما بعد الدولة.
المراجع والحواشي:
[^1]: Rights Radar. (2025). Annual Report on Human Rights Violations in Yemen. https://rightsradar.org
[^2]: اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان. (2024). التقرير السنوي. https://nationalcommittee.org.ye
[^3]: الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة – اليمن. (2023). تقرير الحسابات العامة. وثيقة غير منشورة، تم تسريب محتواها عبر وسائل إعلام محلية.
[^4]: United Nations Panel of Experts on Yemen. (2024). Final Report Submitted to the UN Security Council. https://www.un.org/…/sanc…/2140/panel-of-experts/reports
[^5]: دستور الجمهورية اليمنية. المادة (4)، صادر عام 1991 (معدل 2001).
[^6]: القرار الجمهوري رقم (78) لسنة 2023، منشور في الجريدة الرسمية – الحكومة اليمنية، العدد 9، ص. 14.
[^7]: Human Rights Watch. (2022–2025). World Reports: Yemen Chapters. https://www.hrw.org